Une « histoire d’amour » ininterrompue entre Elizabeth II et la France

Britain's Queen Elizabeth II poses as she leaves French President Francois Hollande after their meeting at the Elysee Palace in Paris, Thursday, June 5, 2014.

Par Michel ABOUNAJM

بين الملكة أليزابيت الثانية وفرنسا « قصة حب » طويلة وعميقة لم تفسدها العلاقات المتوترة  بسبب الخلافات السياسية التي غالبا ما باعدت ما بين لندن وباريس. فمن بين ألقاب الملكة الكثيرة، ثمة لقب ينساه الكثيرون وهو أنها « دوقة نورماندي » وهي المنطقة التي انطلق منها « غيوم المظفر » لاحتلال أنكلترا التي توج ملكا عليها في 25 ديسمبر/كانون الأول من العام 1066. وأليزابيت الثانية، وريثته بعد ألف عام، هي أيضا دوقة جزيرتي جيرسي وغيرنسي الواقعتين على بعد رمية حجر من الشاطئ الفرنسي. وما بين مدينة كاليه الفرنسية ودوفر البريطانية ليس هناك سوى لسان بحري لا يزيد عرضه على 42 كلم  هو اليوم مصدر خلاف كبير  واتهامات بين البلدين بسبب دفق الهجرات غير الشرعية التي تنطلق من الشاطئ باتجاه الشاطئ المقابل. وخلال تاريخهما المشترك ، اندلعت حروب عديدة وطويلة بينهما منها حرب المائة العام وحرب وراثة العرش الإسباني ولكن أيضا وخصوصا حروب الأمبراطور نابوليون الأول الذي هزمه التحالف الذي بناه الإنكليز مع النمساويين والبروسيين والروس في معركة واترلو الشهيرة عام 1815 {في بلجيكا} الى جزيرة سانت هيلين حيث توفي في العام 1821.

هذا التاريخ ورثته اليزابيت الثانية. لكنه لم يكن كله حروبا ومآس. فالأمتان كانتا جنبا الى جنب في الحربين العالميتين الأولى والثانية ولولا المساهمة البريطانية فيهما لكن تاريخ فرنسا اتخذ مسارا مختلفا. ومن يزر منطقة النورماندي، سيتعرف على القنبرة البريطانية التي تضم 4648 شاهدا لجنود بريطانيين سقطوا في معارك تحرير فرنسا من الهيمنة النازية. ومنذ ذاك التاريخ تعود العلاقة « الرسمية » بين الملكة الراحلة وبين فرنسا إذ أن أليزابيت الثانية التي شاركت وهي في العشرين من عمرها في الجهد الحربي البريطاني، تعرفت على الجنرال شارل ديغول، زعيم فرنسا الحرة الذي لجأ الى لندن بعد استسلام القوات الفرنسية.

بيد أن أليزابيت بدأت تتعرف على فرنسا وهي طفلة إذ أن والدتها اختارت لها مربية فرنسية وعبرها تعلمت اللغة الفرنسية التي أتقنتها بشكل تام وتعرفت على الثقافة والفنون الفرنسية وما يمكن تسميته « أسلوب العيش الفرنسي » ومن بين سماته المطبخ الفرنسي وفنون الطاولة بكافة مذاقاتها. بيد أن الأهم من ذلك كله أن الملكة الراحلة كانت تتمتع بشعبية لا تضاهي في فرنسا. وسارع الرئيس إيمانويل ماكرون الى توجيه رسالة عاطفية الى البريطانيين أشار فيها الى « الفراغ » الذي يخلفه رحيل الملكة والى « الحزن الكبير » الذي ألم بالفرنسيين. وبعد أن اعتبرها « رمزا دائما » للمملكة المتحدة، أشاد بمحبتها الخاصة لفرنسا وبحبها لثقافتها وبمكانتها في قلوب الفرنسيين. ولم تفت ماكرون الإشارة الى أنها عرفت والتقت كافة رؤساء فرنسا منذ صعودها الى العرش في العام 1953.  وختم الرئيس الفرنسي قائلا: » ليس هناك بلد آخر في العالم كان له شرف استقبالها بقدر فرنسا ». وصباح أمس، بكر ماكرون لتسطير كلمة في سجل التعازي للسفارة البريطانية الذي كتب فيه: » هنا في باريس التي أحبتها كثيرا وكما في كافة أرجاء فرنسا، حزن مواطنينا لا حدود له …كانت طيلة سبعين عاما صديقة لفرنسا ».

ما كتبه ماكرون لا غلو فيه. ف أليزابيت الثانية عاصرت عشرة رؤساء فرنسيين، منذ فانسان أوريول وحتى إيمانويل ماكرون وزارها في لندن كافة الرؤساء الذين تعاقبوا على قصر الأليزيه منذ ما قبل تأسيس الجمهورية الخامسة. وقامت الملكة الراحلة بست زيارات دولة الى فرنسا. وكما في كل مرة كانت تلقى، الى جانب أعلى مظاهر التكريم والإجلال الرسمية. فرنسا فتحت أمامها قصورها وفرشت تحت أقدامها السجاد الأحمر. وفي كل زيارة رسمية لها، كانت الدولة الفرنسية حاضرة بكليتها لتحيتها. وفي كل الخطب التي ألقيت، كانت أليزابيت الثانية حريصة على أن تتحدث بفرنسية طليقة. كانت لا تخفي الأيام الصعبة عرفتها الأمتان. وبالمقابل، كانت تشدد على الصداقة العميقة والحقيقية بين بلدين أحيانا متحاربين وغالبا متنافسين ولكنهما بالضرورة متكاملين. والى جانب البروتوكول، كانت هناك خصوصا الحفاوة الشعبية التي لا تضاهى. وتبين صور الأرشيف التي بثها التلفزيون الفرنسي منذ مساء أول من أمس تدافع عشرات الآلاف من المواطنين، لدى كل زيارة،  إن على جانبي جادة الشانزيليزيه أو على الطريق المؤدي من المدرسة الحربية الى القصر الرئاسي عبر جسر « الأمبراطور ألكسندر » أو في محيط القصر البلدي القريب من كاتدرائية نوتردام، كم أن شعبية هذه الملكة كانت جائحة في فرنسا. ويشير المؤرخون الى أن أول زيارة رسمية ل أليزابيت، قبل صعودها الى العرش كانت في العام 1948، أي بعد زواجها مباشرة من الأمير فيليب، وذلك بتكليف من والدها الملك جورج السادس وذلك لإعادة التأكيد على العلاقات المتواصلة بين باريس ولندن عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.

من بين كافة الرؤساء الفرنسيين الذين التقتهم، ارتبطت أليزبيت الثانية بعلاقة صداقة مع الرئيس فرنسوا ميتران الذي بقي في قصر الأليزيه لولايتين من 14 عاما. ومعه دشنا سوية « اليوروستار » وهو خط القطار السريع الذي يربط البلدين ويمر تحت بحر المانش. وروى الرئيس فاليري جيسكار ديستان الذي توفي غي شهر ديسمبر 2020، أنه بمناسبة عشاء رسمي دعي إليه في قصر ويندسور، كم كانت مفاجأته كبيرة عندما وجد أن القصر بمفروشاته وأوانيه وتحفه ولوحاته يضم محتويات فرنسية ربما أكثر من قصر فرساي.  

كثيرة الجولات غير الرسمية التي حملت اليزابيت الثانية الى فرنسا. كانت تهوى الخيول وعميقة المعرفة بها ولذا كانت تداوم على زيارة الإسطبلات الفرنسية كما كانت تهوى التعرف على المناطق التي كانت تحت سيطرة الإنكليز في العديد من الفترات التاريخية مثل منطقة بوردو وغيرها.

يبقى السؤال: هل سيعرف الملك تشارلز الثالث أن يحافظ على إرث والدته؟ الجواب في القادم من الأيام.