قبل سبعة اشهر من رحيله، قال الكاتب المصري محمد حسنين هيكل في حوار مع جريدة « السفير » إن إسرائيل ستحكم العالم العربي. و في كتاب عنوانه «تقرير في الوضع الحاضر» تاريخ 5 آب 1949، يقول واضعه أستاذ الفلسفة، المفكر اللبناني شارل مالك: « «إسرائيل تريد السيطرة على العالم العربي، وتريد أن تكون وارثة جميع عهوده السابقة. العالم العربي هو المدى الحيوي للصهيونية، وإذا ظلت الحال على ما هي عليه في العالم العربي ( الترقيع، السطحيات، التفكك، النشوة بالماضي، السياسات المرتجلة، عدم الإصلاح الصادق)، فإنني أجزم بأن مستقبلنا هو استعمار واستعباد من قبل اليهود، ولن يحزن على استعبادنا أحد ».
يتعين التركيز على كلمة « أجزم » التي قالها شارل مالك، كما يجب العودة إلى ما كتبه أنطون سعادة في ثلاثينات القرن الماضي عن الخطر الصهيوني، وما قاله ميشال شيحا، وما كتبه المعلم القدير توفيق قربان (أستاذي في مهجري الأول في البرازيل)، في كتابه القيّم « منابت الصهيونية » (توجد نسخة منه في مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت، لمن برغب في مطالعتها).
هذه السطور توجه لمن يسعون إلى « التطبيع « من العرب، ومن اللبنانيين الذين ينتظرون القضاء على « حزب الله »، وفي ظنهم أن الدولة ستقام، بمجرد خروج هذا الحزب من فضاء السياسة، ينسون، أو « يتناسون » أن « حزب الله » ليس من عوارض المرض، وأن أصل المرض هو النظام الطائفي المتخلف، الخارج عن ثقافة العصر، الذي منه تنبت هذه الظواهر، ويشجع حتى اللبنانيين المقيمين في الغرب، أن يحملوا معهم نزعاتهم القبلية، ويؤسسون جمعيات طائفية، لا علاقة لها بالإيمان، بل بالمظاهر وحب الظهور، مثل « الجمعية الدرزية » والجمعية « الأرثوذوكسية » في لندن، والجمعيات « الشيعية » و »المارونية » في الولايات المتحدة، وغيرها من الجمعيات الطائفية في المغتربات، وكلها تخدم غلاة الصهاينة ومشروعهم في المنطقة، من دون علم القّيمين عليها، وهو هذا النظام، الذي فيه يتخرج نواب الطوائف، وأحزاب الطوائف، وزعماء الطوائف.، والمراجع الدينية التي تساند هذا النظام بما فيه من إجرام وفساد وموبقات. وهو النظام عينه، الذي جلب على لبنان حرباً أهلية دامية، في وقت لم يكن « حزب الله » قد ولد بعد، وسوف يبقى يجلب على شعبه المآسي والخلافات والحروب.
كم من الوقت والعذاب سيحتاج شعب لبنان ليصل إلى مرحلة النضوج، ويدرك أن كلمة « دولة » التي يتغنى بها بعض « السياديين » لا تكفي، خصوصا إذا كانت كما الدولة التي كانت، ويتعلم من دروس الماضي، وأن الدولة إن لم تكن علمانية من رأسها إلى أخمص قدميها، إن صح التعبير، لن تكون الملاذ الآمن للمواطن ومستقبله، ومستقبل بنيه وأحفاده. الدولة الضعيفة توجد المواطن الضعيف، والمواطن الضعيف عميل للخارج وللعدو من حيث لا يدري، وأضعف من أن يدرك أن ولاءه للمرجعيات الدينية عمالة، و إعادة انتخابه الزعيم الذي سرق ماله وشتته في الفيافي والقفار عمالة.
لبنان السيد الحر المتصالح مع نفسه، المنفتح على جيرانه العرب وعلى العالم أجمع، كما يريده النُجباء من شعبه أن يكون، هو البلد لبنان المسالم مع الناس كافة، ومن بينهم اليهود العقلاء المسالمين، وهو البلد الوحيد الذي يحترم نفسه, ويفرض احترامه على العالم، ويدخل مجموعة الدول الراقية بنظام راق يكفل له الحماية الدولية، ويجعل أي دولة معادية تفكر ألف مرة قبل الإقدام على العبث بأمنه…
وأمام لبنان هذا، لا تعود للآلة الحربية الإسرائيلية أي قيمة.
ٌR.K