Par Me Carol Saba
« الفجوة المالية » : هل بيروت اليوم هي بابل الامس ؟ نعم للسيادة على السلاح وحصره، بالطبع، ولكن اين السيادة المالية والمصرفية اليوم يا سادة ؟ فيما يُحكى حول مشروع (مشاريع) قانون الفجوة المالية والتجاذبات الكبيرة حوله ؟ هل من خرق للسيادة المالية والمصرفية اليوم مِمن يَدّعي السيادِيّة ؟! كاشفوا شعبكم يا سادة بشفافية وصِدق !

بقلم المحامي كارول سابا
يشبه الكلام هذه الايام عن قانون « الفجوة المالية »، حالة الانسانية المُتكبِّرة والمَصلحية والانانية في سردية برج بابل في العهد القديم.
فيهل يتم التأسيس اليوم، في الغرف المغلقة، لتهريبات قوانين في المال والاقتصاد والمصارف شبيهة في الميدان المالي، لتهريبة اتفاق القاهرة السيء الذكر الذي اسس في الميدان الامني، لفقدان السيادة اللبنانية على حصر السلاح بيد الدولة واسس لفقدان السيادة على قرار الحرب والسلم، واسس لإدخال لبنان في الاتون الشرق اوسطي، منذ اكثر من خمسين سنة، ولم نخرج منه بعد ونحن لا زلنا في انقسام وانفصامية وعدم رؤية للأخطار الوجودية الجيوسياسية؟
فهل من اخطار وجودية اليوم مالية واقتصادية بما يتم من خرق للسيادة المالية والمصرفية والإقتصادية ؟
نعم، تحضُرني سردية بابل القديمة، امام ما يُقال عن تعدُّد نسخ هذا القانون، قانون الفجوة، وكَمّ هذه التسمية بَشِعَة، وكَمّ هي مُعبِّرة لواقع الحال المتدني خُلقيا واخلاقيا وقانونيا. نعم النسخ المُسرَّبة التي يبدو انها لا تُحصى ولا تُعَدّ، وامام بلبلة الالسنة حول كل ما يُقال ويُكتب ونقرأه في الصحافة ونسمعه في الإعلام عن ما يُحاك حول هذا القانون مِن مكائد ومُؤامرات وخِطَط فيها مصالح مُتشابِكة ومُتضارِبَة بين قوى حيتان مال وسياسة واقتصاد، مُتسارعة ومتصارعة جميعها لنهش جسم المودعين اكثر واكثر وللسيطرة من جديد على ادوات ومناهج المال والمصارف والاقتصاد، ومتصارعة فيما بينها على المصالح.
تحضرني سردية بابل، المُعبِّرة روحياً في العهد القديم، لان بابل روحيا تعني البلبلة والانقسام والارتباك، وكلها حاضرة اليوم في هذه التسريبات، تسريبات الخُطط السرية والمُسربة. والتسريب في دول العالم الرابع والخامس ليس الا دليل على نهج الاستخفاف بالمناهج القانونية والديمقراطية من قبل مستشاري عمل الغرف السوداء المغلقة، ومن يمنحهم هذه السلطة في السلطة التنفيذية، وكل هذا يُناقِض ويَنْقُض اسُس الوضوح والشفافية والاستقامة والقانون والقضاء !
بالطبع، يبدو ان مشاريع قانون الفجوة لا تسأل ولا تُجيب عن سؤال بديهي، الذي هو « من هو المسؤول عن الفجوة » ! فهذا السؤال الذي يُرتِّب تراتبية المسؤوليات القانونية وتسلسلها العامودي والافقي بالقانون، وبالتالي يُرتب « قضائيا » اي بالمساءلة القضائية، وليس بالمحاصصة السياسية، ضرورات ومناهج سد الفجوة المالية واعادة الاموال والودائع لاصحابها، وتصحيح الوضع المالي باستقامة وعدل، هذا السؤال تم تعميته كما يبدو مِن قِبَل « الجميع »، الذين حكموا، والذين يحكمون، والذين يُريدون ان يحكموا من جديد . يبدو ان كلهم توافقوا على عدم المحاسبة والمساءلة ! وهذا مصلحة مستمرة ومشتركة بين الجميع ! تصحيح الوضع ليس بيد الحكومة او مصرف لبنان او المجلس النيابي يا سادة، بل يجب ان يكون بيد القضاء !
هل هذا مُمكن في بلد يقول اليوم ليلاً نهاراً، بعودة الدولة، دولة القانون والحق والعدالة والمؤسسات ؟
بالعودة الى برج بابل. هل بيروت اليوم، هي بابل الامس ؟! نعم ! مع الاسف ! ففي التاريخ الانساني القديم، بعد ان كانت الانسانية واحِدة مُتناغِمة لغةً ومضموناً، مع وحدة الله، وحيث « وكانت الارضُ كلُّها لساناً واحدًا ولُغة واحدة »، تنامَت المُكابَرات، وعَظُمَت الطموحات، وتضخَّمت المصلحيات، وانتفخت الانانيات، فكان الانقسام الكبير وتبلبلت الالسنة مِن كثرة الشهوات واختلاط المَصالح، وعظُمت الطموحات المُنتفخة (كما في بيروت اليوم) فاراد الانسان المُنقسِم على ذاته وعلى خالقه، ان يبني عَمارة (برج بابل) تصل الارض بالسماء فيتم تمييع سيادة الله !
هل فعلا نحن في ازمة نظامية ؟ ام نحن في أزمة مُفتعَلة، هي أزمة حوكمة مالية اقتصادية سياسية، وازمة عدم تطبيق القوانين المالية، او بالأحرى تجاوز القوانين المالية، ازمة تتطلب مُساءلة ومحاسبة ولا تتطلب هذا الإننتفاخ بسردية ضرورات القوانين الاصلاحية التي تَخَمُونا بها !؟ لبنان مَحصَّن قانونيا كما يجب بالقوانين الحالية ! فكفى تعمية وإنبطاح وتطريز قوانين غب الطلب كلها اخطاء ويتم تعليقها بعد اسبوعين اي الطلب المُناقض ايضا !
السؤال يبقى الى اي مدى هناك اليوم، في الفريقين المتصارعين، ادوات في الداخل لديها مصالح، وتصبح من حيث تدري او لا تدري، ادوات خرق للسيادة المالية والمصرفية والاقتصادية اللبنانية، تعمل بانبطاحية لمصلحة الخارج ولما يُمليه الخارج الذي يستبيح كل السيادة المالية والإقتصادية ؟
اين الرئيس الوعد و الواعد اليوم، من هذا الملف، واينه من خطاب القسم ؟ اين رئيس الحكومة القاضي وخطاب البيان الوزراي ومبادئه القانونية؟ اين الوزراء الذين يقولون صبحا ومساء بالسيادية وبمناهج القانون، لماذا لا نسمعهم ؟ هل من علاقة بمشاريع تطيير الانتخابات النيابية وبخطط تمرير هكذا قوانين فيها تصفير للمسؤوليات وللودائع في هذا المجلس المُتعَب ؟!
فبدل ان نسترسل من هنا وهناك في اضاءات شجرات الميلاد في صروح الجمهورية والبلديات، في احتفاليات مكلفة في بلد يُقال انه مفلس، وانه تنمو فيه دركات الفقر الى درجات تضرب اخماس باسداس، اليس من الافضل اليوم تنفيذا للوعود، اليوم قبل الغد، القيام « بمصارحة » علانية وشفافة للشعب اللبناني المنهوب وللمودعين المسروقين، حول كل هذه المفاوضات مع صندوق النقد والمشاريع التي تحاك من هنا وهناك ؟
كتب قديما جدا القديس أغسطينوس: « من خلال المُتكبرين في بابل انقسمت الألسنة، ومن خلال الرُسُل المُتواضعين إتَّحدت الألسنة « . نعم العنصرة بعد قيامة السيد، ألغَت بابل القديمة. وتواضع الرسل ألغى كبرياء المصالح.
فمتى نُخْرِج لبنان من حالة البلبلة و الارتباك (بابل) الى حالة الوضوح والشفافية والمُكاشفة والاستقامة والقانون ودولة القانون دون مطاطية المصالح السياسية ؟
