وجهة الكنيسة االنطاكية األرثوذكسية في زمن المحنة !  

Par Maître Carol SABA

بناء شبكة امان كنسية استراتيجية من خالل تنمية طوارئ التوعية والتمييز، تحصين المناعة الكنسية، وتمكين عناصر الشهادة  الجريئة االن وهنا !  

بقلم المحامي كارول سابا

بالطبع، في هذا العالم المتحول يعيش العالم األرثوذكسي، أزمات كثيرة وكبيرة، قسم منها داخلي، نتيجة تراكمات تاريخية … « 
وعدم قدرة الكنسية االرثوذكسية الجامعة في المرحلة التاريخية الحديثة على تنقية الصالح والطالح فيها، وقسم منها خارجي
يحركها عوامل خارجية تعمل لتفكيك هذه القوة االيمانية القادرة على مجابهة تفريغ عالم اليوم من قيمه التاريخية والتقليدية
والجوهرية. فضرب القلعة القيامية والقيمية االرثوذكسية هو مطلب اليوم، لعالم اليوم المتحول. ال مجال اليوم في سياق هذه
المحاضرة وهذا االجتماع، الغوص في تحليل مسببات االزمة االرثوذكسية الجامعة وأسبابها الموجبة. فهذا يتطلب حلقة كاملة على
حدة وليس هو موضوعنا اليوم. لكن أستطيع باختصار ان أقول ان االزمة االرثوذكسية الجامعة هي ازمة في ثالثة ابعاد: أزمة
حوكمة وتجدد من ضمن التقليد، ازمة تفككية تتلقى فيها الكنيسة الضربات الخارجية وفي بعض األحيان بأدوات داخلية، وأزمة
تموضع استراتيجي في العالم الجديد المتحول الذي يهددها بعدة اخطار وجودية. وبالتالي يبقى السؤال التحدي لكل الكنيسة
 » … االرثوذكسية الجامعة اليوم: كيف نخرج من معادلة التلقي الى معادلة ال ُمبادرة
مقتطفات من نص محاضرة االستاذ كارول سابا في لقاء مجموعة « صرخة نبوءة » في 17 تموز 2025 وموضوع اللقاء كان >

<« حاضر الكنيسة االنطاكية وتحدياته » – نص المحاضرة بالكامل منشور ادناه

ِي ان اتناوله في هذا اللقاء،

عنوان « حاضر الكنيسة االنطاكية وتحدياته  » هو عنوان شاسع واسع ، وهو الموضوع الذي ُطلب ِمن
وهو في هذه االيام بالتحديد، ليس موضوعا عاديا ، كون ان الكنيسة ت ُم ر في زمن ال ِمحنة . وهذا ليس بجديد عليها وفي تاريخ ها،
ُم ر بها هي غير تقليدية، وهي

فهي قِيا ِميَّة لكونها َمصلوبة. لكن وإن تغيرت األطر التاريخية والمناهج، يبقى ان المرحلة التي نَ
تتطلب بالتالي مناهج غير تقليدية في اإلجابة الكنسية، تتوثب من خاللها الكنيسة ومؤسساتها ونخبها وفعالياتها في عمق عالم
اليوم وإشكالياته، من خالل روح الكنيسة وتراكم خبراتها، وحقيقة شهادتها، وشهادة حقيقتها، ولكن بمناهج وافعال وعناصر كالم
ِ تتناسب مع تحديات ومعالم ومقاييس عالم اليوم، مما يجعلها أكثر من ها في قة، تنسج شبكة األمان
التلقي، كنيسة ُمباِدرة، ُمستب .
ُمجابهة أهمية الموضوع كبيرة و ِمفصلية ليس فقط الستِحضار الواقع والحاضر االنطاكي، ولكن ايضا لوضع األطر والسياسات ل
االتي وما قد يأتي من متغيرات واحتماالت.

ي لعالم اليوم ال ُمتَ َح ِول الذي نحن فيه، أي ضرورة
ي التَ َح ول
ال يمكن التكلم عن الحاضر الكنسي وتحدياته دون طرح اإلطار ال ِسياقِ
تخ ُرج في كثير القراءة النقدية لهذا العالم، اي كيف كان باألمس، كيف تطور والى اين يتجه وما هي معالمه ومقاييسه التي بدأت
ي معها، وبنفس الوقت ضرورة قراءة
ِض ُكل
من األحيان عن حقيقة الكنيسة ومقاييسها وشهادتها ال بل بدأت تتموضع على تناقُ
نقدية لتموضعنا فيه، باألمس، اليوم وغدا ، أي ان نقرأ سوية أين اخطأنا وأين أصبنا. قد تكون الخطيئة الكبرى، ان ال تتم هذه
بسرعة فكرية دون تس ر ألنه ان كانت باألمس القريب المراجعة من خالل قراءة كنسية  » طوارئية  » وهادئة بنفس الوقت، ع،
تحوالت هذا العالم تؤثر على كنيستنا وشهادتها بشكل غير مباشر، وعلى دفعات ودرجات غير ُمباشرة، فهي اليوم وبسرعة البرق
مة تده ُمنا كالطوفان، وتهددنا بالمباشر، وباللحم الحي كما يقال، وبدفعة واحدة وبأخطار متنوعة قد تكون وجودية الدا ِه
ِرعة؟ ما هي أخطاره وتحدياته وتناقضاته؟ آالمه

ما هي َمعاِلم تح والت عالم اليوم الجيوسياسية وال ُمجتمعية والدولية ال ُمتسا

لنا، ام نَق َمة؟

وآماله؟ اين الكنيسة االنطاكية منها؟ هل نحن في ال َم َم ر كيف نحول النقمة الى ال َضي ِق؟ هل ال َم َم ر ال َضي ِق هو نِعمةٌ
نعمة؟ هل الغلبة هي في العدد، ام في النوعية؟ في الغوغائية، ام في التمييز والبصيرة؟ في التطرف والراديكالية، ام في الحكمة؟

2
في التوتر، ام في ال ُهدوئية الحكيمة، في زمن التوتر العالي؟ في الصمت ال ُمريب، ام في ال ُمكا َشفة البَنَّاءة، وفي حق الكالم وكالم
الحق بسالميَّة؟
المرحلة دقيقة وحساسة وفيها متغيرات كبرى دولية، إقليمية ومحلية ومتسارعة في المقاييس والمناهج والمبادئ. وكما يقول
وزير الخارجية الفرنسي الشهير دومينيك دو فيلبان  » ليس هناك تسريع فقط، في عالم اليوم، بل هناك تسريع في التسريع « .
مقاربتي للموضوع هي في ثالثة أجزاء. الجزء األول يتناول َمعاِلم عالم اليوم ال ُمتح ِول وماهية تح والته الجيوسياسية وال ُمجتمعية
والدولية ال ُمتسا الجزء الثاني يتناول منهجية توصيف اخطار عالم اليوم ال ُمتح ِول وكيفية مجابهته ا. الجزء الثالث واألخير ِرعة.
يتناول السؤال الجوهري األساسي: ما معنى ان نكون كنيسة في زمن المحنة؟ وكيف نترجم منطق ال ُمجابهة، االستباقية المنهج،
كنسيا ؟

ا فيه »، الى ا لعالم « الذي دخلنا اليه » في « مرحلة التسريع »، وصوال الى عالم « التسريع
ُ
الجزء األول : من العالم « الذي كنَّ
بالتسريع » :
ا فيه »
ُ
« العالم الذي كنَّ بدأ بسقوط حائط برلين في ،1990 خرجنا فيه من عالم القطبين، السوفياتي والغربي، أي معسكري حلف
وارسو ومقابله حلف شمال األطلسي، و دخل العالم فيه في مرحلة  » عالم القطب األوحد » الذي تكلم عنه وزير الخارجية الفرنسية
المعروف هوبير فيدرين، أي عالم القوة العظمى التي ال مثيل لها . وبدأت تنامى في عقد التسعينات من القرن الماضي، مناهج
العولمة المتوحشة وما رافقها من تنامي لعناصر الثورة الليبرالية الراديكالية، االقتصادية والمالية والمجتمعية، التي بدأت تفكك كل
القيم التقليدية وتضربها وت هدد المجتمعات التقليدية. في هذه الفترة، تم االنتقال من منظومة جيوسياسية الى اخرى، أي من
منظومة « عالم المركز » الى منظومة « عالم الشبكة » وهي تمويهية الطابع. فالعولمة كسرت المنظومة الجيوسياسية التقليدية التي
كانت تقوم على ثنائية المركز واالطراف عند القوى العظمى واإلقليمية ، واستبدلتها بمنظومة عالم الشبكة، حيث ال مركز وال
أطراف، وبالتالي تمويه لألخطار وتهديد لحماية ما يُسمى بالجيوسياسية، بالمساحة الطبيعية، أي المساحة الخارجية في األطراف
التي تحمي المركز، اي المجال الحيوي الخارجي الذي إذا سقط بيد وتحت سيطرة الخصوم، يُسِقط المركز. تنامت أيضا تحت ضغط
العولمة مناهج « القوة الناعمة » اي كسالح يُ َم ِ كن السيطرة من خالل المال واالقتصاد والثقافة والتكنولوجيا، وتراجع منطق « القوة
الضاربة »، اي الحروب بالعسكر واألسلحة على اختالفها . تنامت أيضا مناهج الثورة الرقمية التي خلقت عناصر تسريع للمناهج
التقليدية وجعلت بعض منها غير صالحة مما بدأ يعمق مناهج التفاوت والتفوق بين المجتمعات. العولمة التي كان يراد منها في
الخطاب العلني، تنمية التطور وإرساء قواعد لسعادة الشعوب، تحولت الى عولمة متوحشة كان لها تداعيات سلبية كثيرة، ومنها
في نهاية العقد األول من االلفية الثالثة ظهور بداية االزمات المالية > 2008< والبيئية التي لم تقدر العولمة على السيطرة عليها
وسيأتي بعدها االزمات الصحية.

العالم الذي دخلنا اليه في « مرحلة التسريع »، بدأ بمرحلة سقوط عالم القطب األوحد، وانسحاب اميركا من أفغانستان، وبداية
االنكفاء االميركي في الشرق األوسط حيث شهدنا خطاب أوباما في مصر واالزهر وصعود اإلسالم السياسي السني ونوع من
تلزيم أميركي غربي لمنظومة « المد السني  » االخوانية المدعوم من ت ركيا األردوغانية النيو عثمانية وقطر، وتمد د، ُمقابل
ذلك، لمنظومة « المد الشيعي » في المنطقة، المدعومة من إيران. وترافق ذلك، في الشرق األوسط ببداية الربيع العربي وما
نتج عنه من تداعيات. أما عالميا، فكانت بداية صعود مرحلة العالم ال ُمتعِ دد األقطاب، وصعود ما يُسمى بعودة القوى النيو
إمبراطورية الى الساحات الدولية )روسيا، الصين، الهند، تركيا األردوغانية النيو عثمانية، إيران الفارسية الخ( وبداية
صعود، مع تنامي النقمة على الغرب، ما يُسمى بتكتالت قوى « الجنوب الشامل « ، وتمركزهم ضد منطق الغرب )الجزائر،
البرازيل، افريقيا الجنوبية، بعض دول اميركا الالتينية الخ. فبدأت تتكون منظومة البريكس التي تشكل تحدي لمنظومة ال ج7
او ال ج8 او ال ج20 أي التي كانت نادي الدول العظمى التي تسيطر عليها منظومة الغرب. على المستوى المجتمعي، تمادت
مناهج االنعكاس القيمي المتنامي، أي مناهج الثورة القيمية الجديدة التقدمية الطابع على القيم التقليدية المحافظة للمجتمعات
الستبدالها بهرمية قيم جديدة تتناقض مع معالم القيم القديمة التقليدية. وهذا التمادي لم يقتصر على المناهج الفكرية والثقافية
والفنية بل بدأ يُترجم بظهور تيارات عقائدية تقدمية متطرفة، لها قدرات مال ونخبة للسيطرة على مناهج التعليم والسياسة
وإنتاج القوانين والتشريعات الجديدة تحت تسمية « اإلصالحات المجتمعية ».
عالم « التسريع في التسريع » بدأ يتمظهر في العقد األخير من خالل الصدام المتنامي بين قوى الثورات المجتمعية الليبرالية
ال ُمحافظة التقليدية الجديدة من هنغاريا فيكتور اوربان، مرورا ببولونيا، وإيطاليا ميلوني، التقدمية الراديكالية، وقوى الثورة
وصوال الى ترامب في الواليات المتحدة وميالي باألرجنتين وهذا التوجه العالمي ينضوي تحت راية ما أسميه بحرب الردة ال ُمضادة
المحافظة التي اوصلت قوى سياسية محافظة جديدة، تتمركز في السياسة بشكل ديمقراطيات محافظة ال ليبرالية أوتوقراطية الطابع
والنهج، وهي التي استفادت من التداعيات السلبية الكبرى للعولمة الليبرالية المتوحشة والنقمة التي اثارتها في المجتمعات ليس
فقط في مجتمعات دول الجنوب الشامل والمجتمعات شرق أوروبا بل أيضا في المجتمعات االوربية الغربية والغرب ككل. في هذه
الفترة أيضا يشهد العالم عودة جيوسياسية المركز واألطراف، وضرورات عند الدول العظمى واإلقليمية حماية مساحاتها الطبيعية

3
التي تؤثر على امنها القومي وان تتطلب ذلك العودة الى ا لحروب التقليدية واستعمال القوة الضاربة >حرب روسيا في أوكرانيا،
كالم اميركا عن كندا والغرون الند، تركيا النيو عثمانية في الشرق االوسط وسوريا، إيران وأذرعها في المنطقة، إسرائيل
وسياستها التوسعية المعلنة، الخ<. يتنامى في هذه الفترة أيضا الصراع على الممرات الجغرافية البرية و البحرية والصراع للسيطرة على الثروات المائية، البترولية والغازية وباألخص المعادن االرضية النادرة التي هي أساسية للمكونات التكنولوجية الحديثة وباألخص العسكرية منها التي هي أساسية في ثورة الذكاء االصطناعي ومناهج الحرب السيبرانية. اما العامل الطاغي في وسط العالم أي في الشرق األوسط، فهو صعود المسيانيات الدينية السياسية التي هي نيو امبراطورية الطابع وتوسيعية النهج والتي ال تعترف بمفهوم الدولة االمة الويستفالية وبالتالي بجغرافية دول الشرق األوسط التي تكونت على قاعدو الدولة االمة « السايكس بيكوتية  » و « الوستفالية  » الطابع والنهج التنظيمي>دستور، جغرافية محددة، حوكمة مؤسسات تجمع الوحدة والتنوع
الخ<. ما نشهده اليوم على صدر جغرافية الشرق األوسط، هو صراع ما اسميه بصراع االمداد الثالثة|، المد السني االموي، المد
الشيعي المهدوي والمد الصهيوني الديني اليهودي. ٧ اكتوبر وما تبعه من منطق الحرب الشاملة والمستمرة واهمية السالح
الديمغرافي، يأتي في هذا اإلطار العقائدي. وسمة هذه المرحلة تكمن في تقاطع وتضارب المصالح بين القوى العظمى والقوى
اإلقليمية الصاعدة، ولكن تكمن أيضا في قدرة ال قوى اإلقليمية على جر القوى العظمى الى اجنداتها . عالم اليوم المتحول يشهد
لنهاية مناهج التعددية التفاوضية بين الدول التي كانت أساس في تكوين القانون الدولي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ويشهد
أيضا لمنهجية متنامية لضرب أسس القانون الدولي وباألخص قواعد القانون الدولي االنساني، من خالل نظام عالمي متحول يقوم
على منطق حق القوة وليس قوة الحق، ومنطق فرض السالم بالقوة وبسياسة المطرقة، ومنطق الحروب االستباقية من خارج
سياق القانون الدولي، ومنطق االرادية االوتوقراطية لفرض سياسات ومصالح اقتصادية وجمركية آحادية. هذه المرحلة تشهد
أيضا الى ضعف السياسة والمنظومة األوروبية التي تبدو محاصرة بين القطب األميركي، والسياسات النيو إمبراطورية األخرى.
الجزء الثاني منهجية توصيف اخطار العالم المتحول وكيفية مجابهتها
كيف يصف دوفيلبان المرحلة في كتابه الهام االخير الصادر منذ ايام في باريس تحت عنوان « سلطة ان نقول كال » الصادر عم دار
فلماريون. يقول دوفيلبان: « يعيش العالم اليوم مرحلة مفصلية، تعبر فيها عدة عوامل شرخ عميقة، يصعب علينا الى االن
تسميتها. يتأرجح العالم ويهوي تحت وطأة عوامل اعماله المفرطة: االفراط في استغالل الموارد، التغيير المناخي، الحيرة
الجيوسياسية. ما نجابهه اليوم ليس ازمة بسيطة، بل هو تحول تاريخي، وتأرجح كبير وتغيير مفصلي في الفترة والحقبة
التاريخية… فالواقع يخضع للطوفان، والمؤسسات تواجه صعوبة لإلجابة على التحديات. الفوضى تسود: تداخل االزمات، فقدان
الرؤية، انهيار المعالم والمقاييس… في مناخ عدم االستقرار هذا، مناخ العجز المتمادي، مناخ االرتباك العميق، نجد أنفسنا
مأخوذين بعملية تسارع هائلة للتاريخ… امام هذا المنعطف التاريخي الذي يسبب لنا الدوار، لم يبق لنا اال دواء واحد: روح
المقاومة لدينا، وقوة الرفض. هذه القدرة غير القابلة للتغيير لقول ال، ليس بسبب االنكفاء او بسبب النوستالجيا والحنين، ولكن
لكي نبقى أمناء لذواتنا ونعيد فتح حقل االمور الممكنة. لذلك، يجب ان نُعطي ذواتنا بطريقة منهجية، وبطريقة تدريجية، الوسائل
التي تمكننا ان نقول ال… »
وهنا يعطي اتجاهين لعملية الرد: أوال اتجاه استرجاعي، « الستكشاف العوامل التي ادت الى سيطرة منطق االرهاق علينا جميعا
)اي ماذا أرهق العالم الى اليوم(، وثانيا، اتجاه توثبي الستكشاف الطرق الممكنة النتفاضة أوروبية وفرنسية من خالل األمانة
لمثال التحرر، واألمانة لوعد الديمقراطية والكرامة االنسانية « 
الجزء الثالث واألخير يتناول السؤال الجوهري األساسي: ما معنى ان نكون كنيسة في زمن المحنة؟ وكيف نترجم منطق المجابهة
كنسيا؟
بالطبع، في هذا العالم المتحول يعيش العالم األرثوذكسي، أزمات كثيرة وكبيرة، قسم منها داخلي، نتيجة تراكمات تاريخية وعدم
قدرة الكنسية االرثوذكسية الجامعة في المرحلة التاريخية الحديثة على تنقية الصالح والطالح فيها، وقسم منها خارجي يحركها
عوامل خارجية تعمل لتفكيك هذه القوة االيمانية القادرة على مجابهة تفريغ عالم اليوم من قيمه التاريخية والتقليدية والجوهرية .
فضرب القلعة القيامية والقيمية االرثوذكسية هو مطلب اليوم، لعالم اليوم المتحول. ال مجال اليوم في سياق هذه المحاضرة وهذا
االجتماع، الغوص في تحليل مسببات االزمة االرثوذكسية الجامعة وأسباب ها الموجبة. فهذا يتطلب حلقة كاملة على حدة وليس هو
موضوعنا اليوم. لكن أستطيع باختصار ان أقول ان االزمة االرثوذكسية الجامعة هي ازمة في ثالثة ابعاد: أزمة حوكمة وتجدد من
ضمن التقليد، ازمة تفككية تتلقى فيها الكنيسة الضربات الخارجية وفي بعض األحيان بأدوات داخلية، وأزمة تموضع استراتيجي
في العالم الجديد المتحول الذي يهددها بعدة اخطار وجودية. وبالتالي يبقى السؤال التحدي لكل الكنيسة االرثوذكسية الجامعة اليوم:
كيف نخرج من معادلة التلقي الى معادلة المبادرة؟
كتاب دو فيلبان بما يتضمنه من توصيف هو تعبير استراتيجي لضرورة ما اسميه « االرادية السياسية »، وعدم الرضوخ لألمر
الواقع واالستسالم للواقع مهما كان قاسيا، ولضرورة الوعي والتمييز والمشي عكس التيار حتى ولو كان جارفا، ولوجود مساحة
إرادية لمنع االنهيار، أوال، من خالل الوعي بضرورة ايقافه، ومن ثم من خالل مقاومة هذا التدحرج، ومن ثم انتفاضة الوعي لما
هو مشترك باإلنسانية واالنسنة. منهجية التوصيف هذه واتجا َه ي الرد التي استنبطهما لمجابهة االخطار والتحديات، تنطبق أيضا
على سياق الكنيسة وسؤالي الجوهري: ما معنى ان نكون كنيسة في زمن المحنة؟

4
بالطبع، تقديم دراسة تحليلية لتموضع كنيستنا مهم جدا حاضرا ومستقبال، وبالطبع هناك ضرورة ماسة للقيام بمراجعة نقدية لنقاط
الضعف والقوة في حوكمتها في الفترات والحقبات الماضية، وفي حاضر اليوم الذي يصنع الغد. فهي ال تستطيع ان تبقى على
مسافة مما يحدث، الن النهر بدأ يخرج كثيرا عن طوره، وخطر الطوفان الذي تكلمت عنه مرارا في كتابات ومقاالت ومحاضرات
سابقة منذ سنوات، لم يعد شيء نظري او تنظير، بل واقع ممكن ان يتوثب في واقعنا الكنسي في كل يوم وساعة! لذا، ال يمكن
للكنيسة ان تكون في التلقي، بل يجب عليها اليوم أكثر من اي يوم مضى ان تكون في التحليل، واالستشراف، واالستباق،
والمبادرة . ف ليس فقط المطلوب ان تقوم الكنيسة بمراجعة استرجاعية نقدية، علمية وموضوعية، ولكن أيضا المطلوب ان تقوم
بدراسة استشرافية واستباقية وان يكون برنامج حاسوبها االستراتيجي مدوزن ومهيئ ليكون فعال ومنتج وقائم لمجابهة كل
االحتماالت
فعلينا ان نطرح أسئلة كثيرة على انقسنا. كيف نقرأ واقعنا اليوم، كما امسنا و ُمستقبلنا، بعد تراكم أزمات لبنان، وازمات سوريا،
ْمييز في جدلية الثابت
ِتَ
وازمات الشرق، والعالم؟ كأفراد، كجماعة وطائفة، أم ككنيسة بشهادة جرأة وجرأة شهادة؟ كيف نقرأ ب

ي والزائِل؟ في جدلية ارض الواقع

وال ُمتحِ رك؟ في جدلية المنظور وغير المنظور؟ في جدلية الجوهر والشكل؟ في جدلية اال َزل

َمي ِز؟ كيف نَت َمو َضع؟ كيف

وأرض الرجاء؟ في جدلية الحقيقة االيمانية والحقيقة الدهرية؟ في جدلية االلم واألمل؟ كيف نفهم؟ كيف نُ
ِق؟ كيف نتعالى على الجراح؟ كيف نَثبُت في الحق، في زمن التح ول والباطل؟ كيف نبقى؟ كيف نستمر؟ كيف نشهد؟ كيف نهدأ
نَستَب
في زمن التوتر العالي؟ كيف نُلَ ِون دون ان نَتَل َّون؟ كيف نَتَعَقلَ ْن ونُعقلن اآلخرين في زمن الالعقالنيَّات؟
هل من شبكة امان للكنيسة من خارج حقيقة « من نحن »، ومن « اين نأتي »، والى « اين نذهب »؟ بالطبع ال! هل نحن كنيسة لها
الهوت سياسي دهري سياقي؟ بالطبع ال! هل نحن اقلية تقبل بمنطق فوقية العدد والعددية واالكثرية؟ بالطبع ال! هل نحن ُم َك ِون
طارئ او هامشي في مجتمعاتنا؟ بالطبع ال! بل نحن مكون اساسي تاريخي وحضاري! هل نحن نطلب حمايات؟ بالطبع ال! فحامينا
ْس لُقيا اال ُخ
واحد معروف منذ ان سطع نور القيامة، قيامة المسيح ال ُمحيية، في قلوبنا. شهادتنا سالمية، و ِعط ُر يَ ٍد َّوة َممدودة، ونَفَ
واالْن َسنَة.
بالتالي، نحن علينا ان نكون، االن وهنا، وفي كل آن ومكان، ملح االرض في مجتمعاتنا التي نُريدها مجتمعات دولة الحق وحق
الدولة، دولة القانون وقانون الدولة، دولة المواطنة الحقة وحق المواطنة في الدولة، دولة ال ُمساواة في الحقوق والواجبات
والكرامات، دولة الحريات التي تحفظ وتُن ِ مي الحقوق االساسية، كل الحقوق، دون تجزئة وتمييز وتفريق! دولة تقوم على احترام
الوحدة والتنوع!
نحن كنيسة َعبَ َرت وتعبُر التاريخ والجغرافيا الى عمق وجه الوجوه! فلندرك اذا جميعا، كل في مكانه وموقعه ومع وزناته، ان
ا ْم ُسنا كان دائما َغٌد، وحا ِضرنا هو َم َم ٌّر و ُعبور، نحو وجه الوجوه، ورب االرباب، وسيد االسياد، لنُدِرك باليقين والبصيرة،
!بالهدوء والثبات، ما هو مطلوب منا، ولنعمل له بسالمية وجرأة، االن وهنا، كما في االمس، اليوم، وفي الغد
كيف يمكن مأسسة وتعميم هذا التوجه؟
نحن بحاجة الستراتيجية طوارئ كنسية ولغرفة طوارئ كنسية إكليريكية علمانية تنبثق من المجمع المقدس، تعمل على تجميع
المعطيات، والطاقات والرؤى والتحليالت والتحوالت من اجل بناء شبكة امان انطاكية على مستويات وابعاد عدة، و هي الهدف
والوجهة الكنيسة المرجوة والطريق التي يجب ان نعمل على تعبيدها وتطويرها، ويجب ان يكون هذا الموضوع، بشكل ممنهج
و ُمن َّسق وبتدبير بطريركي، موضع نقاشات وحلقات حوار وتحليل وورش عمل ودراسات على مستويات عدة في كنيستنا من أصغر
رعية مرورا باألبرشيات والمؤسسات الكنسية والتربوية والتعليمية والجامعية والمجمع المقدس، للتوعية على اخطار الطوفان،
والستباق تحدياته الوجودية ككنيسة من خالل خطة طريق متعددة االبعاد لبناء شبكة امان كنسية انطاكية استراتيجية من خالل
تنمية طوارئ التوعية والتمييز، تحصين المناعة الكنسية، وتمكين كل عناصر الشهادة الجريئة، المادية والروحية، االن وهنا!
باألمس، وقبله، تكلم بطريركنا الحبيب يوحنا العاشر ِمن ُعمق االلم ُمخاطبا ُعمق االمل، واصال حق االمس باليوم وبالغد، ُمشيرا
الى الجوهر واالساس في شهادتنا التي ال نُريدها اال سالمية. فتحية له ولينهض معه المجمع المقدس وكل « رفاق االيمان »
.االنطاكيين من المشارق والمغارب ليهبوا الى واحد

Par Maître Carol SABA