Les défis de la diplomatie française/ تحديات الديبلوماسية الفرنسية par Michel Bounajem

jean-yves-le-drian-accuse-turquie-militaire-haut-karabagh

تحديات الديبلوماسية الفرنسية

الأمن الأوروبي، الحرب الأوكرانية، أزمة المناخ، الإرهاب ولبنان…

باريس: ميشال أبونجم

عادت الحياة تدب في شرايين الديبلوماسية الفرنسية بعد غياب « قسري » سببه العطلة الصيفية. ورغم أن الرئيس إيمانويل ماكرون لم يوقف اتصالاته بعدد من قادة العالم من منتجعه الصيفي في حصن بريغونسون المطل على مياه المتوسط، ومنهم الرئيس الروسي ونظيره الأوكراني ورئيس وزراء الهند والرئيس الجزائري وغيرهم، فإنه هذا العام امتنع عن دعوة شخصية عالمية كما فعل في السنوات الماضية مع فلاديمير بوتين في أغسطس/آب عام 2019  أو مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركيل في التوقيت نفسه من العام اللاحق… من هنا، فإن الزيارة التي سيقوم بها ماكرون الى الجزائر ما بين 25 و27 الجاري تعد نقطة الإنطلاق لإعادة تفعيل الديبلوماسية الفرنسية ولمواجهة التحديات الكثيرة التي تنتظرها للأشهر القادمة. ولا شك أن الاجتماع التقليدي لسفراء فرنسا في العالم سيوفر الفرصة، في حال انعقاده، لمراجعة سياسة فرنسا الخارجية وما كان لها من نجاحات وإخفاقات وللتخطيط للقادم من الأيام خصوصا أن ماكرون سيباشر فعليا عهده الثاني من خمس سنوات بعد نجاحه في انتخابات أبريل/نيسان الماضي.  

بيد أن تناول تحديات فرنسا الخارجية لا يمكن أن يقرأ إلا على ضوء المتغيرات التي فرضت نفسها على أوروبا والعالم وانعكاساتها عل الآداء الفرنسي ولكن أيضا الأوروبي باعتبار ان باريس جزء لا يتجزأ من الإتحاد الأوروبي والأكثر حماسة لمزيد من الإنخراط بما في ذلك للإستقلالية الإستراتيجية لا بل لتشكيل قوة عسكرية تكون قادرة، في نطاق جغرافي معين، الدفاع عن المصالح الأوروبية بحيث لا تعود أوروبا رهينة القرار الأميركي والأطلسي. من هنا، فإن الحرب التي أطلقها الرئيس الروسي في 24 فبراير/شباط الماضي ضد أوكرانيا تشكل التحدي الأكبر وتدفع باريس ومعها العواصم الأوروبية الأخرى الى طرح السؤال « الوجودي » الذي يتناول أمنها الجماعي. الحرب تدور منذ ستة أشهر على التراب الأوروبي. ورغم أن روسيا سبق لها ان اقتطعت جزءا من أوكرانيا {شبه جزيرة القرم} وضمتها الى أراضيها عام 2014 وأن إنفصاليي منطقة الدونباس أقاما في الفترة عينها جمهوريتين لم تعترف بهما أية جهة خارجية باستثناء روسيا الشتاء الماضي، إلا أن ذلك لا يمكن مقارنته بما يحصل في أوكرانيا منذ 178 يوما حيث الحرب شاملة ومتواصلة ولا شيء في الأفق يدل على احتمال توقفها أو التوصل الى هدنة ما بسبب تمسك كل طرف بمطالبه وغياب الوساطات الجدية. وترى مصادر ديبلوماسية رسمية في باريس إن موضوع الأمن الأوروبي والعلاقة مع الحلف الأطلسي من جهة ومع روسيا من جهة أخرى يشكلان الشغل الشاغل لفرنسا وللدول الأوروبية بشكل عام.

أول من أمس، عاد ماكرون الى التواصل مع نظيره بوتين على خلفية المخاوف من كارثة نووية محتملة بسبب القصف المدفعي الذي استهدف منشآت تابعة لمحطة زابوريجيا النووية الأوكرانية التي احتلتها القوات الروسية منذ بدء الحرب على أوكرانيا. وكان آخر اتصال بين المسؤولين يعود لنهاية شهر مايو/أيار الماضي. والحال أن التهديد النووي دفع ماكرون الذي سعى في الماضي لبناء علاقة خاصة مع بوتين ولم يفتأ يكرر أن روسيا تنتمي الى أوروبا وأنه من الأفضل للأمن الأوروبي ربطها بالعربة الأوروبية على أن تقيم مع الصين تحالفا يغير التوازنات الإستراتيجية، الى التوجه مجددا الى سيد الكرملين. وهذه المرة، نجح ماكرون في انتزاع تنازل من بوتين فحواه قبول الأخير وصول بعثة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتقييم الموقف وإصدار توصيات لتجنب كارثة نووية أضعاف ما عرفته أوروبا والعالم لدى حادثة محطة تشرنوبيل، الواقعة في أوكرانيا في العام 1985. ولم يكتف ماكرون بذلك بل طلب تحقيق هدنة في محيط المحطة وتوفير الضمانات الأمنية لمفتشي الوكالة. وسبق له أن دعا الى انسحاب القوات الروسية من زابوريجيا. ولذا، فإن التحدي المباشر هو أن ينجح في حمل بوتين على تنفيذ وعده. والحال أنه أآغدق كثيرا من الوعود في السابق ولكنها كانت زائفة وأبرزها أنه تعهد له بعودة القوات الروسية من بيلاروسيا ومن الحدود المشتركة مع أوكرانيا الى قواعدها حال انتهاء المناورات التي كانت تجريها. والتتمة يعرفها الجميع.

هشاشة البناء الاوروبي

يجمع المراقبون في العواصم الأوروبية على القول إن الحرب الدائرة في أوكرانيا بينت شيئا رئيسيا وهو هشاشة البناء الأوروبي. فلا الأوروبيون نجحوا، من خلال الوساطة التي قام بها الرئيس ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز مع الرئيس الروسي لثنيه عن القيام بمغامرته العسكرية في أوكرانيا ولا استطاعوا لاحقا التسويق لهدنة تفضي الى مفاوضات.  ويعني ذلك أن قدرة التأثير الأوروبية أقله في مجالهم الأوروبي الحيوي ضعيفة إن لم تكن معدومة. والهشاشة الأخرى برزت من خلال تبعيتهم مختلفة الدرجات للغاز والبترول الروسيين ومخاوفهم من العجز عن توفير الطاقة اللازمة. ورغم أن باريس أقل تبعية من غيرها من الدول الأوروبية كألمانيا مثلا للغاز والبترول الروسيين بفضل اعتمادها على إنتاج الطاقة الكهربائية من محطاتها النووية، إلأ أن الرئيس ماكرون سارع قبل يومين الى تنبيه الفرنسيين من « الأيام العصيبة » التي تنتظرهم في ما خص الطاقة التي ارتفعت أسعارها {المشتقات البترولية، الغاز، الكهرباء} بنسب جنونية. من هنا، سعب ماكرون لدى الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية والجزائر والنروج للتزود بما تحتاجه فرنسا تحسبا للشتاء القادم. وفي سياق التحديات الشاملة لا بد من الإشارة الى التحدي المناخي. وقد جاءت الحرائق التي التهبت في فرنسا حوالي ستة ملايين متر مربع في الأسابيع الأخيرة وموجات القيظ المتلاحقة التي لم تعرفها البلاد منذ عقود والأعاصير لتذكر السلطات الفرنسية بضرورة تنشيط « الديبلوماسية المناخية » حيث لباريس مسؤولية خاصة باعتبار أن أتفاقية المناخ الموقعة في العاصمة الفرنسية نهاية العام 2015 وضعت بشكل ما تحت رعايتها. وتعي السلطات الفرنسية أن الإرتفاع المستمر لدرجات الحرارة ستظهر آثارها بالدرجة الأولى في البلدان الفقيرة وفي افريقيا على وجه الخصوص ما من شأنه أن يفاقم أزمة الهجرات العشوائية التي تسعى أوروبا الى حماية نفسها منها. وليست باريس في منأى عنها وعن تبعاتها على الصعيد الوطني الفرنسي لجهة تسببها بأزمات سياسية واجتماعية ولكونها رافعة لليمين المتطرف كما برز ذلك في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفرنسية. ففي الأولى، تأهلت مارين لو بن، مرشحة اليمين المتطرف للجولة الرئاسية النهائية. وفي الثانية، حصل حزبها على 89 مقعدا في البرلمان وهو رقم لم يسبق له أن حققه في تاريخه.

تحدي الساحل والإرهاب

يوم الإثنين الماضي، خرج آخر جندي فرنسي من مالي بعد حضور عسكري دام تسع سنوات. ولم يكن رحيلا قوة « برخان » طوعيا بل إن تدهور العلاقات بين باريس، القوة المستعمرة السابقة، وباماكو هو السبب علما أن « برخان » التي وصل عديدها في العام 2020 الى 5500 رجل، كانت مهمتها محاربة التنظيمات الإرهابية والجهادية في منطقة الساحل وخصوصا في مالي. وتجدر الإشارة الى أن « عملية سيرفال » في 2013  التي تحولت لاحقا الى « برخان » أطلقت لمنع سقوط العاصمة باماكو بأي التنظيمات الجهادية  والإرهابية وأهمها اثنتان: القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي و الدولة الإسلامية في منطقة الصحراء. وساعرت باريس الى التأكيد أنها « لن تنسحب » عسكريا من منطقة الساحل التي تضم، الى جانب مالي، موريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد. خلال الجولة التي قام بها نهاية يوليو/تموز الى بينين والكاميرون وغينيا بيساو، أكد ماكرون أن بلاده جاهزة لمساعدة بلدان خليج غينيا ودول غرب أفريقيا بشكل عام في مساعيها لمحاربة الإرهاب. وتنظر باريس الى هذه المسألة على أنها تحد استراتيجي يمس المصالح الأساسية لفرنسا في هذه المنطقة من العالم حيث تعاني من منافسة متعددة الأشكال تنأتي من الصين وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ولكن خصوصا من روسيا ومن ذراعها الضاربة في أفريقيا أي ميليشيا « فاغنير » التي يعتبر الفرنسيون أنها على صلة بالكرملين.  

بيد أن ما سبق ليس سوى غيض من فيض التحديات التي تفرض نفسها على السياسة الخارجية الفرنسية. ففي الشرق الأوسط، تريد باريس أ، يكون لها دور إن في الملف النووي الإيراني أو في توطيد مواقعها في بلدان الخليج العربية والعراق فضلا عن لبنان الذي يعد بوابتها الى المنطقة. وفي ما خص لبنان، لم يوفر ماكرون أية جهود من أجل مساعدة هذا البلد للتغلب على أزماته المالية والإقتصادية والصحية والتربوية ولكن أيضا السياسية. إلا أن نجاحاته كانت ضعيفة. واليوم، ما تريده باريس تجنب الفراغ المؤسساتي في ظل وجود حكومة تصريف أعمال ورئيس مكلف لا يؤلف ورئيس جمهورية تنتهي ولايته بعد شهرين. ولا تريد باريس أن تعطي الإنطباع بأنها تتدخل مباشرة في الشأن اللبناني. إلا أن مسوؤليها لا يخفون قلقهم من المرحلة ااقادمة ومما قد تحمله من مفاجآت غير سارة إذا بقيت الأمور سائرة على هذا المنوال.