ميشال أبونجم
مجلس الوزراء الفرنسي يحل جماعة « الذئاب الرمادية » القريبة من أردوغان
اتهامات لها بتهديد النظام العام وبممارسات تمييزية تستهدف الأرمن والأكراد
يوم الإثنين الماضي، أعلن جيرالد دارمانان، وزير الداخلية الفرنسي عن عزم الحكومة على حل جماعة « الذئاب الرمادية » التركية التي تتصرف كميليشيا ليس فقط في تركيا وإنما أيضا في الدول التي تتواجد فيها جاليات تركية كبيرة مثل ألمانيا وفرنسا وغيرها. ورغم غياب أية علاقة عضوية بين « الذئاب الرمادية » من جهة والحكومة التركية وأجهزتها أو بينها وبين حزب العدالة والتنمية الحاكم من جهة أخرى، فإنها ترتبط على الأقل سياسيا مع هاتين الجهتين كونها تابعة ل »حزب العمل الوطني » اليميني القومي المتطرف الذي هو حليف للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مجلس النواب وجزء من أكثريته النيابية. وما وعد به دارمانان قبل ثلاثة أيام، أصبح واقعا قائما أمس إذ صدر عن مجلس الوزراء مرسوم حل هذه الجماعة التي نزل أفراد منها نهاية الأسبوع الماضي الى شوارع مدينة ديجون {جنوب شرق فرنسا} في تظاهرة شبه مسلحة ما عدته السلطات ردا على موقفها الداعم لأرمينيا في الحرب الدائرة في ناغورني قره باغ والتي وقفت فيها أنقره الى جانب الطرف الآذري ومدته بالسلاح والعتاد والمستشارين وردا ايضا على تحركات الجالية الأرمنية في فرنسا الداعمة للجمهورية الإنفصالية. كذلك يأتي حل الجماعة في وقت تعاني فيه العلاقات الفرنسية ــ التركية من توتر شديد خصوصا بعد الإهانات الشخصية التي وجهها أردوغان للرئيس الفرنسي متهما إياه بالإختلال النفسي وداعيا إياه الى إجراء فحوص طبية بهذا الشأن.
التصعيد الأخير جاء على خلفية المواجهة الجيوــ سياسية بين تركيا وفرنسا ووقوف باريس بوجه مخططات وطموحات الرئيس التركي في سوريا والعراق وليبيا واليونان وقبرص وأطماعها بالثورات الغازية في مياه المتوسط الشرقي التابعة لهذين البلدين وأخيرا في جنوب القوقاز. ودأبت باريس على الدعوة الى فرض عقوبات أوروبية على تركيا كما حثت الحلف الأطلسي لأن « يفتح عينيه » على المغامرات التركية التي تورط الحلف في نزاعات لا علاقة له بها. وبعد الجدل الذي أثارته كلمات ماكرون بشأن مواجهة « الإنفصالية الإسلاموية » ومحاربة الإرهاب الإسلاموي ودفاعه عن العلمانية وحرية الصحافة بما فيها بث الرسوم الكاريكاتورية، عقب اغتيال وقطع رأس مدرس التاريخ في تكميلية مدينة كونفلان سانت هونورين على يدي إرهابي شيشاني، دعا أردوغان الى مقاطعة المنتجات الفرنسية ما زاد من حدة التصعيد بين فرنسا وتركيا. وتعبر مصادر فرنسية أن حل « الذئاب الرمادية » يأتي في إطار ما يدعو إليه الرئيس الفرنسي من وضع حد للتأثيرات الخارجية على الجاليات الأجنبية التي تعيش في فرنسا. وفي مشروع القانون الذي تحضره الحكومة لمواجهة « الإنفصالية الإسلاموية »، فإن باري ستريد أن تضع حدا لاستجلاب أئمة مسلمين من الخارج وعلى رأس الدول المعنية تركيا التي يأتي منها 150 إماما {من أصل 300 إمام} وكذلك فرض الرقابة الصارمة على المدارس الخاصة غير المتعاقدة مع الدولة لجهة مضمون تعليمها وتوجهاتها الإيديولوجية وكلها تساهم في الحد من نفوذ أمقره على الجالية التركية في فرنسا.
أمس، سارع دارمانان الى التغريد ليؤكد صدور مرسوم الحل ضد الجماعة التي وصفها بأنها « تحرض على التمييز والكراهية ومتورطة في أعمال عنف » بمناسبة انعقاد جلسة مجلس الوزراء وبناء على تعليمات الرئيس ماكرون. وجاء في المرسوم أن هذه الجماعة التي يعود تأسيسها على أيدي المتطرف التركي ألب أرسلان توركس الى العام 1970، « تروج لإيديولجيا تمييزية لا بل إنها تحث على العنف ضد الأشخاص ذوي الأصول الأرمنية أو الكردية ». ويؤخذ عليها أيضا أنها تمارس ما يمكن تشبيهه بالتدريب العسكري للشبان المنخرطين في صفوفها. وأشار المرسوم الى مخيم تدريبي لها في منطقة « الأرديش » وهي منطقة جبلية وعرة، وذلك في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي. وأشار المرسوم الى أن للمجموعة عددا من المخيمات على الأراضي الفرنسية ما يفسر قيام عدد من « التظاهرات المسلحة » في السنوات الأخيرة ضد الأرمن والأكراد الذين هم على عداء تاريخي مع الأتراك. وآخر ما يمكن رصده تلطيخ نصب يذكر بالمذبحة الأرمنية قريبا من مدينة ليون {جنوب شرق باريس} وهي ثاني المدن الفرنسية حيث قام أطراف من الجماعة بتلطيخ النصب و رسم شعار « الذئاب الرمادية » كما استهدفت الجماعة قنصلية أرمينيا في المدينة المذكورة وشعارات مشابهة على جدران مدينة ميزيو {شرق البلاد}. وتجدر الإشارة الى ما قامت به الجماعة في العام 2016 في مدينة ريمس {شرق البلاد} وأيضا في مدينة ديسين ــشاربيو القريبة من ليون في شهر يوليو/تموز الماضي.
يعتبر عدد من المتابعين لأنشطة المجموعة بأنها مرتبطة بجهات الجريمة المنظمة وان العنف يشكل جزءا من أوجه ممارساتها الخارجة عن القانون. ومن بعض هذه الممارسات ما قام بها أفرادها في 28 الشهر الماضي عندما هاجموا مجموعات أرمنية على الطريق السريع « آي 7 » قريبا من مدينة « فيين » في منطقة « إيزير » حيث اشتبكوا مع مجموعة من المتظاهرين الداعمين للقضية الأرمنية فأوقعوا أربعة جرحى بينهم شاب فرنسي من أصول أرمنية أصيب في رأسه بضربة مطرقة. وفي « فيين » سمعت هتافات لعشرات الأفراد من الجماعة تدعو الى « قتل الأرمن ». لذا، فإنطلاقا من هذه المعطيات، يبرر المرسوم حل الجماعة ب »الحفاظ على النظام العام » الذي يرى المرسوم الحكومي انه يشكل تهدديا له. وتجدر الإشارة الى أن أحد اشهر أفراد المجموعة هو محمد علي أقشا الذي حاول اغتيال بابا الكنيسة الكاثوليكية في روما في العام 1981 في ساحة القديس بطرس في العاصمة الإيطالية. وينص مرسوم الحل على تهديدات قانونية واضحة بفرض غرامة واضحة على الأشخاص الذين قد يسعون لإعادة تشكيل الجماعة قيمتها 100 ألأف يورو وبالسجن لمدة سبع سنوات.