بعد خمس سنوات من تخلي ترامب عن الاتفاق مع طهران : إيران قريبة من « العتبة النووية »

Michel Bounajem, directeur du bureau parisien du quotidien arabophone Asharq Al Awsat.

باريس: ميشال أبونجم

في 8 مايو/أيار 2018، سحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توقيع بلاده من الاتفاق النووي المبرم مع إيران في إطار مجموعة خمسة زائد واحد، فييوليو/تموز 2015 معتبرا أنه جاء « ضعيفا » و »كارثيا » ولا يمنع طهران من تطوير قدراتها النووية. وعمدت الإدارة الأميركية لاحقا الى فرض عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية على إيران بهدف عزلها من جهة ومن جهة أخرى الضغط عليها لتأتي صاغرة الى مفاوضات جديدة ولإتفاق جديد أكثر صرامة. ومنطلق ترامب أنه يتعين العمل من أجل ألا تحصل إيران « أبدا » على السلاح النووي معربا، في الوقت عينه، مباشرة أو على لسان كبار وزرائه ومساعديه، عن الإستعداد للجوء ل »كافة الوسائل » من أجل ذلك. وبعد خمس سنوات، ما زال الهدف الأميركي هو نفسه.

وبعد خمس سنوات، ما زال الهدف هو عينه. فمستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قال السبت الماضي، خلال مؤتمر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن بلاده « « ستتخذ كافة الإجراءات الضرورية لضمان عدم امتلاك إيران لسلاح نووي »مضيفا أنه « في نهاية المطاف، هذا هو الاختبار الأساسي: عدم تمكن إيران من امتلاك سلاح نووي. ليس لديهم اليوم ولا يمكنهم امتلاك {سلاح} واحد« .

بيد أن الأمور تغيرت كثيرا عما كانت عليه قبل خمسة أعوام: إيران نجحت، رغم التهديدات والعقوبات، في الوصول الى تخصيب اليورانيوم  بدرجة نقاء تصل الى  83.7 بالمائة مقابل 3.67 بالمائة قبل انسحاب واشنطن أي أنها اثبتت قدرتها في الوصول الى نسبة 90 بالمائة الضرورية لإنتاج سلاح نووي. وحققت طهران ثلاث قفزات نوعية: الأولى حتى نسبة 20 بالمائة والثانية حتى 60 بالمائة والأخيرة{ أي قبل ثلاثة أشهر} الى ما فوق 80 بالمائة. ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد إذ ضاعفت طهران مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب الى درجة أنها وصلت اليوم الى ما يسمى « العتبة النووية ». ووفق أرقام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران كانت تمتلك في فبراير/شباط الماضي 87 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمائة. والحال، وفق خبراء الطاقة النووية، أن إنتاج قنبلة نووية واحدة يتطلب 27 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 بالمائة. وهذه الكمية يمكن الحصول عليها من رفع درجة النقاء ل42 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمائة في موقعي فوردووناطنز. وتبين عملية حسابية بسيطة أن طهران كان لديها، قبل حوالي ثلاثة أشهر ما يكفي لتصنيع قنبلتين نوويتين على الأقل. ولا شيء يفيد أنها توقفت عن التخصيب بهذه الدرجة منذ ذاك التاريخ.

ثمة استحقاق رئيسي قادم مع انعقاد الاجتماع الفصلي لمجلس حكام الوكالة الذي يبدأ في فيينا في 5 يونيو/حزيران القادم. وسيكون ملف التخصيب مطروحا بقوة. والسؤال الملح منذ اليوم يتناول ما إذا كان الغربيون سيواصلون سياسة « غض الطرف » عن « الأمر الواقع » الذي دأبت إيران على فرضه. والدليل على ذلك أن التقارير التي صدرت منذ السبت الماضي أفادت أن الدول الأوروبية الثلاث {فرنسا وبريطانيا وألمانيا} حذرت إيران في رسالة تعود للعام الماضي {وبقيت مكتومة} من أنها ستثير مسألة إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران {آلية سناب باك} إذا خصبت اليورانيوم إلى المستوى المثالي لإنتاج سلاح نووي. ويعني هذا الكلام، عمليا أن إيران تستطيع تخصيب ما تريد من اليورانيوم شرط أن تبقى بعيدة عن نسبة ال90 بالمائة علما أن العثور على كمية قليلة من اليورانيوم المخصب بنسبة عالية جدا يدل على أن طهران تمتلك التقنيات الضرورية لذلك.

لا تتوقف الأمور عند هذا الحد.فالوكالة الدولية تعترف على لسان مديرها رافاييل غروسي، أنها « غير قادرة » على تأكيد سلمية البرنامج النووي الإيراني إذ أنها « محرومة » من الإطلاع على شرائط  كاميرات المراقبة المنشورة في المواقع النووية بعد أن عمدت طهران الى حجبها عن مفتشي الوكالة وربطت الإفراج عنها بالتوصل الى اتفاق جديد. بيد أن المفاوضات التي أفضت قبل الصيف الماضي الى مسودة اتفاق متكامل توقفت ومع الحرب الروسية على أوكرانيا واصطفاف طهران الى جانب موسكو ومدها بالمسيرات {وربما أيضا بالصواريخ الباليستية} غاب الملف واهتمام الوكالة والغربيين بمصير محطة زابوريجيا النووية الأوكرانية، جعل الملف الإيراني يتراجع . ويبدو أن المقترح الأميركي القاضي بإبرام اتفقا مؤقت مع إيران يقضي بامتناعها عن الإرتقاء بالتخصيب لما فوق ال60 المائة مقابل رفع جزء من العقوبات عنها لا مستقبل له.

هكذا، فإن الأسابيع الفاصلة عن اجتماع محافظي الوكالة سيشهد عملية « شد حبال » بين الغربيين وإيران التي تهدد في حال تفعيل آلية « سناب باك » بإجراءات مضادة قد تصل تسريع البرنامج النووي أو حتى الخروج من معاهدة حظر الإنتشار كما فعلت كوريا الشمالية سابق ما يعني أن الملف مفتوح على كافة الإحتمالات بما فيها العسكرية.