الحرب الاوكرانية ــ الروسية بين ماكرون جينينغ

Michel Bounajem, directeur du bureau parisien du quotidien arabophone Asharq Al Awsat.

باريس: ميشال أبونجم ــ الشرق الاوسط

استبق الرئيس إيمانويل ركوبه الطائرة متجها الى بكين في زيارة دولة من ثلاثة أيام، الأولى من نوعها منذ العام 2019، مصطحبا رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، باتصال هاتفي بالرئيس الأميركي جو بايدن للتشاور معه بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا لأنها على رأس جدول مباحثاته مع نظيره شي جينبينغ. وجاء في بيان مقتضب وزعه قصر الأليزيه أن ماكرون وبايدن « تناولا رغبتهما المشتركة في دفع الصين للإنخراط من أجل تسريع وضع حد للحرب في أوكرانيا وبناء سلام دائم في المنطقة ».  وجاء الإتصال مع الرئيس الأميركي لتتويج سلسلة من المشاورات قام بها ماكرون وشملت، بالطبع، الرئيس الأوكراني ومسؤولين أوروبيين بحيث لا يكون متحدثا فقط باسم فرنسا بل باسم الإتحاد الأوروبي والغرب بشكل عام. فضلا عن ذلك، فإن هذه المشاورات تبين أن الملف الأوكراني والدور الذي يمكن أن تلعبه الصين سيكون محوريا في اللقاءات الثلاثة التي سيعقدها ماكرون مع شي جينبينغ اليوم الخميس وغدا الجمعة وستشارك فون دير لاين بواحد منها مساء اليوم.

ومنذ وصوله الى بكين، كشف ماكرون عن طبيعة مهمته بخصوص الحرب الأوكرانية في إطار رده على أسئلة صحافية من جهة وفي الكلمة التي ألقاها أمام أعضاء من الجالية الفرنسية في الصين، أنه يعول على دور لبكين القادرة على أن « تلعب دورا رئيسيا » في البحث عن سبيل ّيؤدي الى السلام ». وسبق لمصادر رئلسية فرنسية أن قالت سابقا، في معرض تقديمها للزيارة، أن الصين هي « الجهة الوحيدة القادرة على التأثير على الرئيس الروسي » كما أنها قادرة على « دفع الحرب بهذا الإتجاه أو ذاك ». والتخوف الكبير للغربيين أن تعمد الصين الى تقديم الدعم العسكري للقوات الروسية وهو ما نبه منه ماكرون بتأكيده أن الصين إن فعلت فإنها « توفر دعما للمعتدي » كما أنها تتحول الى « شريك في انتهاك القانون الدولي ». إلأ أن التحذير ترافق مع ارسال إشارات إيجابية للقيادة الصينية بقوله إنها « اقترحت خطة سلام … وأنه بذلك تظهر إرادة لتحمل لتحمل مسؤولياتها ومحاولة شق طريق يؤدي الى السلام ».

وفي كلمته أمام الجالية الفرنسية، توقف ماكرون مطولا عند هذه النقطة التي وضعها في إطار « الحورا الإستراتيجي » مع الصين مشددا على أن باريس وبكين، نظرا لكونهما عضوين دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي »ملزمتان بالدفاع عن شرعة الأمم المتحدة » التي انتهكتها روسيا. وأضاف ماكرون ما حرفيته: »لقد تمسكت الصين بشرعة الأمم المتحدة التي تنص على {احترام}  سيادة الدول وسلامة أراضيها وأعتقد أن الدفاع عنها يعني البحث معا عن الطريق المفضي الى السلام » وإذ أشار الرئيس الفرنسي الى « خطة السلام » من 12 عشر بندا التى طرحتها بكين في شهر فبراير/شباط الماضي، فقد سارع الى القول إن بلاده « لا تتبناها بكليتها، إلا أنها تكتسي، رغم ذلك، أهمية وتبين رغبة {صينية} في الإنخراط من أجل إيجاد حل للنزاع ».

ترى باريس في العرض الصيني عناصر إيجابية أخرى مثل رفض اللجوء الى السلاح النووي معتبرا أن ذلك يعني ان بكين « تتحمل مسؤولياتها » على هذا الصعيد نظرا للتطورات الجارية ومنها خطة روسيا لنشر أسلحة نووية على أراضي بيلاروسيا. بيد أن المأخذ الفرنسي والغربي الأول الخطة الصينية أنها لا تدعو الى انسحاب القوات الروسية من الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا. وفي أي حال، تؤكد مصادر ديبلوماسية أوروبية في باريس، أن الحديث عن السلام اليوم يبدو « مبكرا نظرا لأن كل الأطراف تنتظر التغيرات الميدانية التي ستطرأ في الأسابيع القادمة والتي ستكون لها انعكاساتها المباشرة على أية جهود لإعادة فح باب المفاوضات والسعي الى السلام. وفي أ يحال، فإن ماكرون، كما بقية الغربيين، يرى أن علاقات الصين القوية مع روسيا التي شهدت مزيدا من التعزيز بمناسبة زيارة شين جينبينغ الأخيرة الى موسكو، « تبين أن الصين يمكن أن تلعب دورا رئيسيا » لا بل حاسما. وما لا يريده ماكرون أن تخلى الساحة الأوروبية لروسيا وحدها في تعاطيها مع الصين وهو ما لا يقبل به. وخلاصة ماكرون أنه يتعين الحديث مباشرة مع الصين عن الحرب في أوكرانيا وعن العدوان الروسي وعن نتائجه وتبعاته على أوروبا والشرق الأوسط والقارة الأفريقية… وما لا يريده ماكرون هو التهديد بفرض عقوبات على بكين « لأن التهديد ليس الطريقة المناسبة » بل المناسب « السعي لبناء شيء ما معها في إطار المسؤولية المشتركة من أجل السلام والإستقرار الدولي أيضا بخصوص إيران وكوريا الشمالية وليس فقط بالنسبة لأوكرانيا. هذه هي مسؤوليتنا ».

سيطرح الملف الأوكراني في الاجتماع الثلاثي بحضور فون دير لاين التي يرى مراقبون في باريس أن خطابها يقترب كثيرا من اللغة المستخدمة أميركيا. وسبق لها أن نبهت الأسبوع الماضي من أن « الطريقة التي ستتصرف بها الصين بشأن الحرب في أوكرانيا ستشكل العامل الحاسم لمستقبل العلاقات بينها وبين الإتحاد الأوروبي ». وفي أي حال، فإن زيارة ماكرون تعني أن باريس حريصة على إبقاء باب التحاور مع بكين مفتوحا بحيث أنها تبتعد عن المقاربة الأميركية « الصدامية » مع الصين. وقال الرئيس الفرنسي: « نسمع أكثر فأكثر أصواتا ترتفع للتعبير عن قلق شديد حول مستقبل العلاقات بين الغرب والصين مع التوصل نوعا ما إلى خلاصة مفادها أن ثمة دوامة توتر متنام لا مفر منها« .
لكنه أضاف: « لا أريد هذا السيناريو« .ومن جانبه، قال مصدر فرنسي: « نحن حلفاء الولايات المتحدة ولسنا على مسافة واحدة من بكين وواشنطن لكن لدينا مصالح {مع الصين} ولدينا مقاربتنا {معها} » المختلفة عن المقاربة الأميركية. وفي الملفات السياسية، قالت مصادر الأليزيه أن الرئيسين سيبحثان اوضاعالشرق الأوسط  بشكل عام بما فيها الملف النووي الإيراني. وتجدر الإشارة الى الدور الذي لعبته بكين في التقريب بين المملكة السعودية وإيران والتوصل الى الاتفاق الذي وقع بين الطرفين برعاية بكين التي ستستضيف اليوم اجتماع وزيري خارجية البلدين. كذلك سيكون الملف الكوري الشمالي موضع تباحث نظرا للتوتر المتواصل في  المنطقة والذي تتسبب كوريا الشمالية من خلال إطلاق الصورايخ وتطوير قدراتها النووية  في جزء كبير منه.  ووعد الوفد الفرنسي بالتطرق إلى مسألة حقوق الإنسان ولا سيما في منطقة شينجيانغ التي يرى مراقبون كثر أنها تشهد قمعا كبيرا للمسلمين الأويغور.

ثمة ملفات أخرى رئيسية، اقتصادية، تجارية، ثقافية وفنية وعلميةستكون موضع مناقشات مع الجانب الصيني. وتبين تشكيلة الوفد الكبير الرسمي والإقتصادي والثقافي والمدني الطموحات الفرنسية {والأوروبية} من هذه الزيارة. ووفق ماكرون، فإن  فرنسا والاتحاد الأوروبي يجب « الا ينفصلا » عن الصين على الصعيد الاقتصادي بل المحافظة على « طريق واقعي وطموح » معهامضيفا أنه « يتعين ألا ننفصل عن الصين بل الانخراط في علاقة تجارية متواصلة مع الصين« .وستشهد الزيارة، وفق ماكرون، توقيع « عقود كبيرة » اليوم، لعد اجتماعه الأول مع نظيره الصيني حيث أن أكثر من 50 رئيس شركة فرنسية رئيسية منها إيرباص وكهرباء فرنسا وفيوليا. وتشكو باريس من انعدام التوازن في المبادلات التجارية بين الطرفين ومن « الحمائية »التي تواجهها الشركات الفرنسية لجهة الدخول الى السوق الصينية. ويعمل الأوروبيون على تخفيف الإعتماد على الصين لتوفير المكونات ذات الأهمية الإستراتيجية مثل الرقائق الألكترونية.

وفي سياق آخر، ستتخلل الزيارة جوانب ثقافية وفنية في مدينة كانتون{جنوب الصين} التي ينتقل إليها الوفد الفرنسي وحيث سيدعوه شي جينبينغ وعقيلته الى عشاء خاص تعبيرا عن العلاقة الخاصة التي يريد بناءها مع ماكرون.  وتريد باريس « إحياء التواصل » على كل المستويات والمبادلات الإنسانية ولا سيما بين طلاب البلدينبالتوازي مع تعزيز العلاقات الثقافية. وفي هذا الإطار، يفتتح ماكرون مهرجان « كروازمان » (تقاطعات) الصيني الفرنسي الذي يقدم على أنه أكبر مهرجان أجنبي في الصين.