الرؤية الأوروبية « الثلاثية » للصين ومخاوف الغرب من قيام جبهة روسية ــ صينية

Michel Bounajem, directeur du bureau parisien du quotidien arabophone Asharq Al Awsat.

باريس: ميشال أبونجم

في الأسابيع الثلاثة الأخيرة استحوذ الحراك النقابي والإجتماعي الرافض لقانون التقاعد الجديد على نشاط الرئيس الفرنسي وأبعده الى حد ما عن الاهتمام بشؤون العالم باستثناء مشاركته في قمة الإتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي في بروكسيل ومجموعة اتصالات هاتفية أجراها مع الرئيس الجزائري ورئيس الوزراء العراقي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فضلا عن حفنة قليلة من الأنشطة في قصر الأليزيه. ومعروف عن إيمانويل ماكرون شغفه بالسياسة الخارجية ورغبته بأن يلعب فيها دورا رئيسيا. وبعد أن اضطرت باريس الى إلغاء زيارة ملك بريطانيا تشارلز الثالث بسبب الفوضى الاجتماعية، فإن الزيارة الرسمية التي سيقوم بها الى الصين وترافقه فيها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ستعيده الى واجهة الأضواء العالمية نظرا الى أهميتها بالنسبة للحرب الروسية على أوكرانيا ودور بكين فيها والمبادرة السلمية التي أطلقتها والتي بقيت حتى اليوم دون أية ترجمة فعلية.

وبحلوله في بكين، سيكون ماكرون ثالث مسؤول غربي كبير يزور الصين منذ اندلاع وباء كوفيد 19 قبل ثلاثة أعوام. وسبقه إليها المستشار الألماني الذي زراها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ورئيس الوزراء الإسباني هذا الأسبوع. ومن نتائج مشاركة فون دير لاين فيها أنها ستخرجها الى حد ما من إطار العلاقات الثنائية الفرنسية ــ الصينية ليتسع إطارها وتصبح في إطار العلاقات الأوروبية ــ الصينية.

تقول مصادر ديبلوماسية في العاصمة الفرنسية إن الصين « أصبحت مادة إلزامية » في الإجتماعات الأوروبية وذلك من زاويتين: الأولى، الدور النشط الذي تلعبه على الصعيد الديبلوماسي وفي المنظمات الإقليمية والدولية كمنظمة شنغهاي للتعاون أو « مؤتمر بواو » الاقتصادي الذي ينهي أعماله اليوم في جزيرة هانيان {جنوب الصين} ومنظمات أخرى عديدة.  وللتوضيح، فإن منظمة شنغهاي تضم 42 بالمائة من سكان العالم وتتتمتع ب25 بالمائة من الناتج المحلي العالمي الإجمالي، الأمر الذي يبين أهميتها خصوا أنها تضم دولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن {روسا والصين}  وأربع دول نووية {الصين وروسيا والهند وباكستان}. وأخر تجليات دور بكين نجاحها في التقريب بين المملكة السعودية وإيران. والثانية، آداء الصين في ما خص الحرب في أوكرانيا وموقفها « الغامض » من الغزو الروسي لبعض أراضيها وخطة السلام التي طرحتها وذلك على ضوء زيارة الدولة التي قام بها الرئيس شي جينبينغ الى موسكو الأسبوع الماضي. وقال تان كيفي، المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية إن بكين « الجيش الصيني على استعداد لتعميق التواصل الإستراتيجي والتنسيق مع نظيره الروسي » فيما سيقوم الجيشان بتدريبات عسكرية واسعة في لأيام القليلة القادمة.

كانت الصين موضوعا رئيسيا في القمة الأوروبية الأخيرة يومي 23 و24 مارس/آذار. ولا شك أن زيارة بينغ الى موسكو والدعم الذي عبر عنه للرئيس الروسي  والإتفاقيات التي توصل إليها الطرفان والتخوف من قيام تحالف أوثق روسي ــ صيني بمواجهة الغرب وتبعاته جعل منها ملفا يفرض نفسه بقوة على الديبلوماسية الأميركية والأوروبية. وبحسب المصادر الأوروبية، فإن الأوروبيين ينظرون في الحاجة لعقد قمة مخصصة كليا للملف الصيني في شهر مايو/أيار القادم. ومشكلة الأوروبيين أن مقاربتهم للصين ليست موحدة وهم منقسمون بين من يتبنى الموقف الأميركي المتشدد وبين من لا يريد الإنقطاع عن الصين. وأعلن رئيس لتفيا، آرثوركارينز بمناسبة القمة الأوروبية أن قمة بوتين ــ بينغ « سبب لكي تفتح أوروبا أعينها إذ أن كثيرين كانوا يتوقعون أن تلعب الصين ورقة الوساطة. إلا أنها لم تفعل لا بل إنها وقفت بشكل واضح الى جانب روسيا ما يمثل تحديا وصعوبة كبيرين بالنسبة لأوروبا ». وذهب رئيس وزارء بلجيكا الكسندر دي كرو في الإتجاه عينه بقوله: »لقد رأينا أن الصين قادرة على التأثير على روسيا وكنا نأمل أن تستخدم تأثيرها للتشديد على احترام سلامة وسيادة أوكرانيا على أراضيها ». وفي نظره، فإنها لم تفعل.

أضحى واضحا اليوم أن الإتحاد الأوروبي يربط تعاطيه بالصين بموقفها من الحرب الأوكرانية. وقد عبرت فون دير لاني بوضوح عن ذلك أمس بقولها: »« علينا أن نكون صريحين: الطريقة التي ستستمر فيها الصين بالتصرف حيال حرب بوتين ستشكل عاملا حاسما في مستقبل علاقاتنا معها ». وأضافت المسؤولة الأوروبية: « على الصين واجب القيام بدور بناء في تعزيز سلام عادل. لكن هذا السلام لا يمكن أن يكون عادلا إلا إذا كان قائما على احترام سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها« . وخلاصة فون دير لاين أن »أي خطة سلام تكرس الضم الروسي هي ببساطة غير قابلة للتطبيق«  مشيرة بذلك الى الخطة التي طرحتها بكين في شهر شباط/فبراير الماضي والتي واججها الأوروبيون بفتور واضح. ودأب مسؤولون أميركيون وأوروبيون على انتقادها لأنها لم تنص على إدانة لإحتلال روسيا لأراض أوكرانية وضمها كما لم تتضمن دعوة لخروجها من كافة الأراضي الأوكرانية المحتلة. كذلك عارض الغربيون، بمستويات متفاوتة، الدعوة الصينية لوقف إطلاق النار في أوكرانيا معتبرين أن ذلك يصب في مصلحة روسيا التي ستستخدمه لتعزيز مواقعها أو لتبريد الجبهات مع الإبقاء على النزاع قائما.

تقول المصادر المشار إليها إن قلق الغرب عنوانه قيام تحالف عميق بين بكين وموسكو. من هنا، فإن إحدى المهام التي ستكون على عاتق ماكرون ــ فون درير لاين دفع بكينللإمتناع عن الإنخراط في تحالف من هذا النوع. وأعلن الرئيس ماكرون من بروكسيل الأسبوع الماضي أنه يتعين « دفع الصين الى الإنخراط لجانبنا من أجل ممارسة ضغوط على روسيا » في الملف الأوكراني. وقد سبق له أن أعرب عن هذا الموقف. لكن ما يتخوف منه الأوروبيون رغم قربهم من واشنطن في الملف الأوكراني، من أن السياسة الأميركيةالقائمة على المواجهة الرأسية والشاملة مع الصين لا تسهل الحوار مع بكين ولا تساعد الأوروبيين في مساعيهم لمنع مزيد من الإنخراط الصيني ــ الروسي حيث أن الطرفين الأخيرين يريان في الولايات المتحدةالخصم المشترك الواجب مواجهته متحدين. وترى الولايات المتحدة في الصين المنافس المنهجي الشامل والرئيسي لها والخطر الذي يهدد النظام العالمي والسعي لإحداث تغييرات جيو ــ سياسية في أسيا والمحيط الهادىء وبحر الصين الجنوبي… ومناطق أخرى من العالم. ولا يريد بعض الأوروبيين وعلى رأسهم ألمانيا وفرنسا السير وراء هذه الرؤية الأميركية وأن يجعل من الصين عدوا رغم الخلافات بين الطرفين. ويريد الأوروبيون طرح كافة هذه المسائل في إطار القمة الأوروبية ــ الصينية التي تنتظرها دول الإتحاد الأوروبي. إلا أن بكين لم تعرض حتى اليوم موعدا محددا. ومن المنتظر أن تكون أحد المواضيع التي ستطرح بمناسبة الزيارة الثنائية للصين.

ثمة نقاط تلاق عديدة بين الرؤيتين الأوروبية والأميركية للصين. ففي الرؤية الأوروبية، ينظر الى الصين من ثلاث زوايا: الأولى، اعتبارها شريكا تجاريا رئيسيا وجهة فاعلة يتعين التعامل معها في المواضيع الشاملة مثل ملف البيئة وتتماته. والثانية، اعتبارها منافسا اقتصاديا وتكنولوجيا والثالثة خصما منهجيا بسبب تبنيها قيما تناقض القيم الأوروبية {كالديموقراطية على الطريقة الغربية والليبرالية…}. وأثنى أولافشولتس الأسبوع الماضي على هذه القراءة داعيا الأوروبيين للمحافظة عليها ومؤكدا أنها »ثلاثية فاعلة ويتيعن علينا أن نبقى وفيين لها ».

عديدة الملفات الأخرى التي ستطرح خلال زيارة ماكرونــ فون دير لاين وليس أقلها الملفاتالإستثماريةوالتجارية والإقتصادية والبيئية فضلا عن ملفات حقوق الإنسان ووضع أقلية الويغور وبالتالي سيكون لقاء بكين ممهدا للقمة الأوروبية ــ الصينية المرتقبة التي يريد الأوروبيون التئامها قريبا لحاجتهم للتعاون الصيني.