التأرجح بين خطاب الق َسم والطبقة السياسية المصلحية: هل نحنفعالً بمرحلة جديدة؟المحامي كارول سابا

 » نرى اليوم، كما باألمس، كيف تتكتل الطبقة السياسية من جديد على بداية العهد الواعد، مع تحالف
.حيتان المال والسياسة، إلسقاط خطاب القسم بعد تبخيره وتبجيله »
آراء
27-01-2025 | 09:19

المحامي كارول سابا
الجمهورية كانت في َوق ٍت ما ُمن َكَرة، وقد خانَتها األحزاب بذاتها، وانا أن َه ْض ُت ِسال َحها، وقوانينها واسمها ». هذا « 
ُمحِ ر 19 أيار 1958 في قصر أورسي بعد الكالم هو ل ر فرنسا من النازية، الجنرال ديغول، في مؤتمره الصحافي في
إعالنه الشهير في 15 أيار أنه  » ُمستعد لتولي سلطات الجمهورية »، بعد عاصفة ازمة 13 أيار 1958 السياسية التي
.كادت أن تعصف بفرنسا
َك للرئيس اللبناني الواعد، ال ِمغوار والحكيم، الذي أعاد االعتبار، شكال ومضمونا، م ينطبق هذا الكالم على خطاب القسم
للجمهورية اللبنانية. توصيف المرض كان عند الرئيس ديغول أساسيا قبل العمل. فكان يُردد للنخب التي تنادت الى
مرجعيته أمام أخطار التفكك السياسي الذي انتجه فساد الطبقة السياسية الكارثية وزبائنيتها في الجمهورية الرابعة
الفرنسية، والتي كانت تعلي مصالحها الضيقة على المصلحة الوطنية، أنه سيقطع ب ِمب َضع َج َّراح اوصال الجمهورية
ِعَة، جمهورية االحزاب المصلحية، من أجل الولوج الى الجمهورية الخامسة الفا ِضلة وال ُمستقرة. صرامة تشبه
الراب
اليوم صرامة خطاب قسم رئيسنا الوا ِعد. فكما باألمس في فرنسا، كذلك اليوم في لبنان، التوصيف الصحيح لالزمة، هو
.الطريق الصحيح إلعادة انهاض لبنان. فحذار تفويت هذه الفرصة الذهبية
جنرال آخر، باألمس، الرئيس االمير فؤاد شهاب قال كالم الرئيس الملك ديغول نفسه، في محاولته بعد ثورة 1958
قلب الموازين في لبنان ِمن مصالح دولة ال ُمحاصصة والزبائنية واألحزاب والبيوتات السياسية، لمصلحة دولة المواطنة
والقانون والمؤسسات. حينها أيضا،ً تقاطع الدولي واإلقليمي إليصال شهاب، قائد الجيش الوطني، الى سدة الرئاسة

لتثبيت سيادة لبنان وإعادة بناء مؤسساته الدستورية وتحييده عن خضات المنطقة وتجاذباتها القاتلة. فشرع في بناء
دولة المؤسسات واإلصالح وتفاهم مع عبد الناصر بعد لقاء « الخيمة » الشهير في آذار ،1959 الذي يُعتبر أول ُمحاولة
لحياد ايجابي في لبنان. فتكتلت الطبقة السياسية عليه مع تحالف حيتان المال والسياسة، وأسقطته بالحلف الثالثي.
اعترف لي في باريس العميد ريمون إده، بأنه كان أكبر خطأ استراتيجي ارتكبه في حياته السياسية. مع سقوط الشهابية
التي لم تكن كلها بياضاً وسواد، أسقطنا لبنان وأضعفناه، فكانت فضيحة إنترا وكان اتفاق القاهرة السيء الذكر، وكانت
.بداية الصعود الى الهاوية
التجربة الجديدة إلنقاذ لبنان ُمجدداً بعد مآسي حروب لبنان وكوارثها، كما وصفها صديقي غسان تويني كحروب
االخرين فيه بواسطة اللبنانيين، كانت تجربة الرئيس الحلم الشهيد بشير الجميل، الذي كان الياس سركيس عرابه
الشهابي، الذي وضع في رحلة الـ 21 يوماً الخطابية، أسس عودة لبنان دولة حق وحقيقة ومبادئها، كما فعل الرئيس
.جوزف عون في خطاب القسم، الذي كان يحلم بشير بأن يُلقيه وينفذه
أما اليوم، وبعد كوارث الصعود الى جهنم منذ الطائف الى اليوم والنزول بلبنان بسبب كل طبقته السياسية الى أعمق
دركات الجحيم، فنحن اليوم أمام تحديات التجربة الثالثة، تجربة الرئيس الواعد، المغوار والحكيم التي تشبه إطار
.1958 فعلى غرار الرئيس شهاب، يأتي الرئيس جوزف عون بعد خضات الحروب والمآسي والتجارب اآلحادية على
أنواعها، لقلب الموازين في لبنان ِمن مصالح دويالت المحاصصة والفساد، لمصلحة دولة المواطنة والقانون
والمؤسسات. اليوم كما باألمس، هناك تقاطع دولي واقليمي، إليصال قائد الجيش الوطني الى سدة الرئاسة لتثبيت سيادة
لبنان واعادة بناء مؤسساته الدستورية، وتحييده عن خضات المنطقة. اليوم كما باألمس، لم يصل التقاطع الى المستوى
.المحلي حيث االثقال والمقاومات على أنواعها التي تعوق قيام دولة المؤسسات والقانون والمساءلة
ونرى اليوم، كما باألمس، كيف تتكتل الطبقة السياسية من جديد على بداية العهد الواعد، مع تحالف حيتان المال
والسياسة، إلسقاط خطاب القسم بعد تبخيره وتبجيله. فلقد كتب صديقي توفيق هندي ُم َو ِ صفاً المشهدية الحالية
التحاصصية والمصلحية المغلفة بعناوين كثيرة تغييرية وغيرها قائالً إن الطبقة السياسية اللبنانية  » َخ َر َجت من الباب
لتعود من الشباك ». وأنا أقول أن كل الطبقة السياسية، من دون استثناء خسرت و »اُخِر َجت »، لكنها ترفض ذلك تحت
عناوين نصر وخسارة! ال ُمعلقون ُكثُر، أما ال ُمحللون ألسباب ما يَحدُث وأبعاده وتداعياته، ف ُهم قلة قليلة. فتوصيف ما
جرى يؤسس، أم ال، إلمكانية التأسيس لنهج جديد يَقلب الموازين لمصلحة الدولة، دولة المواطنة والحق والمؤسسات
الدستورية، ويُخرجنا من دوامة الدويالت. فهذه دخلت هي ومنطق ميليشياتها بعد الطائف، من الباب العريض
واستوطنت عمق أعماق الدولة العميقة اللبنانية وسيطرت على مفاصلها وأقامت فيها إمارات، وليس ثنائية فحسب، بل
.ثنائيات طائفية مذهبية تحا ُصصيَّة
هذه شَّرعت لمنهجية « قضم » الدولة الوطنية ومواردها وأصولها وو سعت قواعد الفساد واإلفساد، الى أن وصل به
األمر الى الهندسات المالية وجذب أموال المودعين وتمويل الدولة، خالفاً لكل مبادئ قانون النقد والتسليف وقواعده،
من المصرف المركزي بأموال المودعين بتواطؤ المصرف المركزي العام والمصارف الخاصة، في أكبر عملية سرقة
موصوفة. ولم تتوا َن عن دفع حكومة الرئيس دياب الى أكبر خيانة وطنية بإعالن التعثر المالي للدولة اللبنانية مقدمة
إلخضاع سيادتها لصندوق النقد والصناديق على أنواعها مما افقدنا السيادة المالية. هل جهة سياسية واحدة كانت
مسؤولة عن كل هذا السقوط ال ُمبرمج؟ بالطبع ال، ألن تحالف حيتان المال والسياسة في لبنان الذي أنشأ المنظومة
.مستمر وله إبعاد واوجه تقاطع عند كل األطراف السياسيين في لبنان

ُّمون
الخطورة اليوم في أكثر من ملف، وفي ملف الودائع على األخص، تكمن في أن الكثير من اللبنانيين بدأوا يَشتَ
رائحة قد تكون، إذا تأكدت، غير ُمرضية في طريقة تشكيل الحكومة وفي مقاربة ملف الودائع! فنسمع الكثير اليوم من
الذين يقرقعون، ِمن ك ل َم ْن َه َّب ود َّب، من تغييريين تل ونوا بألوان االناء، ومن غيرهم من النخب وال ُمستشارين الذين
يفتشون عن المناصب، الذين يلتفُّون شكلياً حول العهد اليوم ويتنصبون في المنابر والتلفزيونات كأنهم هم « أم الصبي »
!وكأن كالً منهم هو ُمنقذ الجمهورية، وصانع الرئيس الواعد وصانع تكليف رئيس الحكومة ال ُمكلف
فالبعض ممن يدعون التغيير يتقاطعون مع ال ُمستشارين، ووراءهم المصارف والطبقة السياسية ال ُمرتِكبة المنكفئة ولكن
التي ال تزال مقا يُريدون تمرير نظرية « تصفير » حسابات المصرف المركزي وشطب الودائع ِو َمة لكل تغيير نوعي،
وتلزيمنا، تحت تبريرات كثيرة بضرورة البراغماتية والواقعية وغيرها من عناصر الكالم المشبوه والمقاربات
المشبوهة، الى « سجن » صندوق النقد، فتكون عندها الخيانة الوطنية ا الثانية والتعمية الكبرى على المساءلة القانونية
للمنظومة التي افتعلت االزمة الوطنية واستفادت منها وضربت ودائع اللبنانيين وسرقت المال العام، وقد يتم توزيرها
.من جديد تحت مسميات جديدة مموهة ومغلفة

هل سيقبل العهد الواعد تمرير هذه النظرية من خالل مراسيم اشتراعية يعطيها المجلس الى الحكومة، ف ي حين أن لبنان
دولة غنية وليست متعثرة، وأن الخليج العربي مستعد إلعادة االستثمار في لبنان لكن ضمن مقاربة وطنية واقعية
وموضوعية قائمة على الحق وليس على الباطل، تضع الجميع على طاولة ال ُمساءلة وتحمي الحقوق وعودتها، وتضع
خطة التعافي التي ال تساوي ال ٌمرتكب بالضحية؟
عند كل مفصل تغيير أو تسريع في التغيير في لبنان، تأتينا العصا من الخارج، الدولي واإلقليمي، بعد ضربات وانهيارات
داخلية موجعة بسبب تفردنا وفسادنا، فتتكتل الطبقة السياسية اللبنانية المحلية من جديد لتمنع التغيير وتقولبه كما تشاء
تحت ذرائع كثيرة، ميثاقية وغيرها، ونحن نُعيد طرح السؤال، هل يُصِلح َمن أف َسد؟ هل يقوم التغيير اليوم ُمجدداً على
منطق عفا هللا عما مضى، فنُعيد تركيب المنظومة نفسها تحت مسميات جديدة بالشكل لكنها عفنة في المضمون؟ ندائي
للرئيس المغوار والحكيم أال يسمح ألي كان بتلطيخ بداية العهد الوا ِعد، ألن لبنان في حاجة فعالً الى إنقاذ من مساوئ
!أبنائه وخطاياهم
العالمات الدالة