كتب د.أحمد عياش:
في اجتماع حزبي في موسكو في القرن الماضي،رفع الرفيق عصام يده طالبا الإذن بالكلام في الحلقة:
– تفضل رفيق عصام!
– لماذا لا يتم انتخاب غير الرفيق ليونيد بريجنيف لرئاسة الحزب والاتحاد السوفياتي؟
صُعق سكرتير الحزب من السؤال، إنما اجاب بهدوء العارف بخبايا أسرار الاحزاب والدول وقال:
-يا رفيق.. إنّها ” الديموقراطية المركزية”..يبدو انّك تغيب عن المحاضرات التثقيفية في الحزب!
ثم تابع الكادرمناقشة أمور حزبية أخرى اهمّ من السؤال البسيط الذي يتطلب إجابة بديهيه .
الا ان عصام اعجبته مقولة “الديموقراطية المركزية” وأصبح يجيب بثقة الواثق بنفسه على اي سؤال يُطرح عليه، ولو من خارج السياسة والعقيدة بجملة “يا رفيق انها الديموقراطية المركزية…” ولو أنّه لم يفهم المعنى والقصد، الا ان التعصّب العاطفي للمنجل والمطرقة كافٍ ليدافع عن أراء الحزب.
ومرّت السنون ،
اليوم دخل مقهى “الدنكن” في شارع الحمراء ،أحمر الوجه وكاظما للغيظ ومحتارا بأمره، وما إن جلس حتى انفجر بالكلام:
–هل تعرفون ما هو الشرق الأوسط الجديد؟
ذُهل الحاضرون من سؤاله لظنّ كل واحد منهم أن ما يعرفه عن الشرق الأوسط الجديد، هو الإجابة العادية والبسيطة، الا انّ الأمر اخذ منحى آخر:
قال البعثي المحنّك بين عراق وشام: يا سيدي يعني تقسيم المنطقة لقوميات وبيانات ضعيفة متناحرة تضعف شوكة وحدة العرب.
وقال اسلامي ملتحٍ لا يتوقف عن الاستغفار ومن طاولة مختلفة: بل جعل المنطقة ترضخ لقوانين علمانية تشجع على المثَلية الجنسية، و بحجة تحرير ما يسمونه حقوق المرأة الدوس على الشرع وتفتيت العائلة والتشجيع على الكفر بالله.
وقال رجل سبعيني يساري من طاولة بعيدة سمع بوضوح النقاش المتأجج: بل تقسيم المنطقة لكيانات طائفية رأسمالية تسهل سرقة ثروات الشعوب الطبيعية وتسليط ما يسمى دولة “اسرائيل كممثل عن الامبريالية”على شعوب المنطقة.
إنما قال قاضٍ له باع طويل في القضاء والعدالة قال: مهلا ان الأمر أوضح من ذلك،الشرق الأوسط الجديد حكت عنه كونداليسا رايس وجوهره جعل “اسرائيل”تصفع وتركل كل من يرفع رأسه مطالبا بحقوق شعبه إضافة لانهاء القضية الفلسطينية.
تدخل النادل في النقاش واضاف: استاذنا في القانون الدولي قال ان الشرق الأوسط الجديد يعني فدراليات تسهل تعامل السوق الاقتصادي الحرّ وتمهد لعولمة ثقافية تتقدم فيه “اسرائيل”تكنولوجيا واقتصاديا، وتتخلف فيه باقي الشعوب ولا دولة فلسطينية فيه.
فرح عصام بالنقاش وقال:
-اذن لست وحدي الذي لا يعرف ما هو الشرق الأوسط الجديد، إذ كل واحد يظن ان اجتهاده الشخصي هو المشروع الحقيقي.
غادرنا المقهى وكل روّاده في مختلف الجبهات ،عذراً الطاولات، يناقشون بحدّة وشجار مشروع”الشرق الأوسط الجديد”.
سألت عصام إن كان مسرورا الآن بعد ان كاد يتسبب بسؤاله تضارب الحاضرين فأجاب:
اريد ان اعرف ماذا نواجه وماذا نحارب، لربّما المشروع مفيد لنا، ونحن لا نعرف. بكل الاحوال لا “الديمقراطية المركزية” فهمتها ولا الشرق الأوسط الجديد يعرفه احد منّا، وانت بكل الاحوال “ديماغوجي”.
قلت: انا ديماغوجي؟
انت الديماغوجي.
–بل أنت وأهلك الديماغوجيون.
احتدت نبرات الأصوات.
سأل عابر سبيل عن معنى ديماغوجي فقال عصام:
–أظنها شتيمة يستخدمها المثقفون الكبار فقط !!