الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

سمير صالحة*

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك ليس كرديّاً. مقياس ما قبل أكثر من قرن لم يتغيّر بالنسبة للكثيرين في الداخل التركي. لكنّ معضلة الترجمة العملية لهذه العبارة ما زالت قائمة وتعصف في بارومتر العلاقات بين الحين والآخر.

يريد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تتويج فترة حكمه بإنجاز كبير في التعامل مع معضلة الملفّ الكردي التي ما زالت تطارد الداخل التركي. لكنّه يواجه أكثر من حاجز وعقبة سياسية واجتماعية تقف في طريقه. حاول في عام 2013 وكاد أن يصل إلى هدفه، لكنّ تصلّب ورفض البعض في الداخل والخارج أطاح بالمولود الجديد قبل أن تحتفل أسرته به.

وسط هذه التطوّرات فجّر دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية وشريك إردوغان في “تحالف الجمهور” قنبلة سياسية من العيار الثقيل، وهو يتوجّه نحو مقاعد كتلة حزب مساواة وديمقراطية الشعوب (ديم) المحسوب على الصوت الكردي المعارض ليصافح نواب الكتلة ويهنّئهم على السنة التشريعية الجديدة للبرلمان في مطلع تشرين الأول المنصرم، حين قال: “أنتم أيضاً حزب سياسي يعمل تحت سقف هذا البرلمان التركي”.

القنبلة الثّانية لبهشلي

بعد أسبوع فجّر بهشلي قنبلة سياسية ثانية بدعوة “ديم” لمراجعة سياساته ومواقفه حيال المسائل السياسية والأمنيّة الداخلية. فجاءه الردّ بأنّه من دون تغيير طريقة التعامل مع عبدالله أوجلان مؤسّس “حزب العمّال الكردستاني” المصنّف إرهابياً من قبل العشرات من دول العالم، والسجين في جزيرة إيمرالي، لن يكون أيّ تحوّل في المواقف. وهكذا قرّر زعيم الحركة القومية تحريك الحجر الثالث على رقعة الشطرنج في لعبة سياسية جديدة لا تفاصيل معلنة حولها بعد، وهي المطالبة بتسهيل وقوف أوجلان أمام كتلة “ديم” في البرلمان، لإعلان فسخ حلّ تنظيم حزب العمّال ودعوة عناصره إلى ترك السلاح مقابل فتح الطريق أمام طرح مادّة “حقّ الأمل” بعد سنوات طويلة من السجن.

في جميع الأحوال لا يمكن قبول سوى سيناريو واحد، وهو أنّ بهشلي لن يحرّك أحجار إردوغان على رقعة الشطرنج دون موافقة الأخير

سيناريو أن يدخل أوجلان البرلمان التركي ويخاطب تركيا عبر كتلة “ديم”، هو بحدّ ذاته بين المستحيلات لأكثر من سبب قانوني ودستوري. لكن ما يلي فرضية من هذا النوع مهمّ أيضاً: كيف ستسير الأمور بعد ذلك؟ وما هي التنازلات المتبادلة التي ستقدّم على طريق إنهاء ملفّ معقّد عمره عشرات السنين؟ ومن الذي سيتولّى المهمّة وسط رفض متزايد في صفوف القوميين الأتراك؟ بل لماذا يطرح بهشلي اليوم هذه المسائل؟ وأين سيتوقّف؟ وهل بمقدور أوجلان أن يؤثّر على القواعد الكردية بعد 24 عاماً من عزلته في سجنه؟

بهشلي وخلفه إردوغان

ردّة فعل قيادات حزب العدالة حليف بهشلي، فيها الكثير من التأنّي والحذر بانتظار معرفة ردود الفعل والمواقف الحزبية والسياسية التي ستصدر عن بقيّة الأحزاب. حزب الشعب الجمهوري المعارض دعم الفكرة انطلاقاً من التعامل مع ملفّ مزمن لا بدّ من حسمه. بقيّة أحزاب اليمين القومي رفضت العرض وحذّرت من خطوة بهذه الخطورة تفتح الأبواب أمام دخول أوجلان الذي تسبّب بمقتل الآلاف الصرح البرلماني التركي. فلماذا يترك بهشلي نفسه أمام امتحان سياسي وشعبي صعب ووسط مغامرة السير في المجهول من أجل استرداد ما فقده من شعبية في الأعوام الأخيرة، أم هناك دوافع أكبر وأعمق من ذلك؟ وهل هناك تفاهمات بين بهشلي وإردوغان حول ما يجري اليوم، أم ما يفعله زعيم الحركة القومية يتمّ بعيداً عن خيارات الحزب الحاكم ومن دون معرفته أو التنسيق معه؟

رمى زعيم حزب الحركة القومية دولت بهشلي، عندما كان في صفوف المعارضة، حبلاً غليظاً باتّجاه حزب العدالة والتنمية

الحقيقة الأولى هي أنّ دولت بهشلي السياسي والقومي المخضرم لن يبادر ويناور من تلقاء نفسه ويحرّك الرماد تحت ملفّ أوجلان المرتبط بأكثر من شقّ سياسي وقانوني وأمنيّ من دون الرجوع إلى حليفه إردوغان. قناعة أخرى لا يمكن تجاهلها تقول إنّ ما يفعله بهشلي قد يكون بقرار من مؤسّسات وأجهزة الدولة العميقة في تركيا التي ترى مخاطر المتغيّرات الإقليمية المتلاحقة المحيطة بتركيا، خصوصاً في العام الأخير، ورفع تل أبيب بدعم أميركي لشعار الشرق الأوسط الجديد، وارتدادات ذلك على تركيا ومصالحها في المنطقة.